الخطبة الثانية

   الحمد لله جعل الحج كفارة للذنوب، أحمده سبحانه، وأشكره، وأتوب إليه، وأستغفره، وأسأله ذكراً تطمئن به القلوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له علام الغيوب، وأشهد أن سيدنا، ونبينا محمداً عبده، ورسوله إلى كل قلب محبوب، صلى الله وسلم، وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه ما تعاقب الشروقـ والغروب، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:

أيها المسلمون: وفضل الله، تعالى، يتوالى على عباده المؤمنين، فبالأمس انتهى شهر رمضان المبارك، وأعقبه أشهر الحج، وفي نهاية هذا الأسبوع يأتي موسم من مواسم الخير، مغنم للمؤمنين، وميدان لتنافس الصالحين، عشر ذي الحجة؛ أخرج البخاري رحمه الله، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "ما العمل في أيام فضل منها في هذه. قالوا: ولا الجهاد! قال: ولا الجهاد! إلا رجلٌ خرج يخاطر بنفسه، وماله، فلم يرجع بشيء  .

   ها هو ميدان السعداء، أهل الحظ، والتوفيق، الذين يلحظون هذه المواسم، فيتقربون إلى المولى في الطاعات، والقربات، في هذه العشر: الحج إلى بيت الله الحرام، وفيه يوم عرفة أفضل أيام السنة، ما رُئي الشيطان أحقر، ولا أصغر منه في ذلك اليوم، وفيه يوم الحج الأكبر، يوم عيد الأضحى، وفيه نحر الهدي، والأضاحي، عبادات، وقربات عظيمة، وأجور موفورة، فأين الموفقون المجتهدون الباذلون الناصحون؟

  في هذه العشر يستحب الذكر بأنواع من التكبير، والتهليل، والتحميد، والإكثار منـه في البيوت، والأسواق، وأماكن العلم، وغيرها، قال عليــه الصلاة والسلام : " فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير والتحميد ، فأحيوا هذه السنة التي تكاد أن تهجر، ويستحب الصيام، وبخاصة يوم عرفة لغير الحاج، فهو يكفر السنة الماضية، والباقية، ويستحب الصدقة، والبذل، والعطاء، والتوسيع على المساكين، والمحتاجين، والفقراء، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فانهلوا من معين القربات تنالوا رحمة رب الأرض والسماوات.

أيها المسلمون: تمر هذه المناسبات العظيمة، ولا زال كيد أعداء الإسلام بمختلف مللهم، ومذاهبهم يشنون الحروب، والمعارك العسكرية، والفكرية، وأقرب شاهد، ما يقوم به اليهود – قاتلهم الله- في أرض فلسطين قتلاً، وتشريداً، وهدماً، وتخريباً، وتيتيماً، وتجويعاً، وليس العجب من أولئك الأعداء الألداء، بل العجب كل العجب من أولئك المؤيدين لهم، والداعمين لأفعالهم مادياً، ومعنوياً، وقلباً للحقائق، فيوصف المسكين في داره، الذي يصب عليه العذاب صبَّاً حين يقاوم بالإرهابي، والمتطرف الذي يحتاج إلى تأديب، وذاك الغاشم المعتدي بالدفاع عن الحقوق، والأمن، ألا قاتلهم الله أنى يؤفكون، والعجب أشد ممن يلبسون تلك الحقائق من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا مدافعين عن أولئك اليهود علناً، أو تصريحاً.

أيها المسلمون: تأتي هذه المواسم؛ لتوقظ الشعور الفياض، الذي يعيش في قلب كل مؤمن، ليستيقظ هذا الشعور، فيترجمه كل مسلم بعمله، ولسانه، وقلمه، وماله مدافعاً عن دين الله، تعالى، وعن حقوق إخوانه، دعاء لهم، وبذلاً من ماله مستغلاً هذه الأوقات الفاضلة، والأمكنة المباركة في عشر ذي الحجة، وفي يوم عرفة حال الحج، حقق الله الآمال، ونصر الأمة، والدين، وخذل الكفار والمنافقين، وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، كما أمركم الله جل وعلا فقال سبحانه: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).



بحث عن بحث