الخطبة الثانية

   الحمد لله مقلب القلوب، وعلام الغيوب، وقابل التوبة ممن يتوب، شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.  أما بعد:

أيها المسلمون! إن المتدبر في أحوال كثير من المسلمين يعصر قلبه الأسى والألم، لما يراه من غفلتهم، وقسوة قلوبهم، وانصرافهم عن خالقهم، وتشاغلهم بما يلهيهم عن ربهم، فقد انساق كثير منهم إلى كثير من الأعمال التي تقسي القلب، ومن ذلك انصراف الوقت، وتضييعه في طلب الدنيا، والتمتع بها، والانخداع بمظهرها، والتفكه بملذاتها.

  ومن أعظم ما تشاغل به بعض الناس، فقست قلوبهم، وأبعدتهم، عن خالقهم متابعة الأفلام المحرمة والمسلسلات الهابطة التي عمت وطمت، وصارت شيئاًَ عادياً في حياة الناس، فأسهرت ليلهم، وأضاعت وقتهم، وألهتهم عن خالقهم، وأقست قلوبهم، وأضاعت فرائضهم، إن مثل هذه الملهيات بما فيها من شرور وأخطار لهي من أشد ما يبعد عن الله، سبحانه وتعالى، فهي تنبت النفاق في القلب، وتزرع الشهوة في النفس، وتميت الغيرة، وتمنع من الذكر، وقراءة القرآن؛ لأنه لا يجتمع مزمار الشيطان، وقرآن الرحمن، ومما انتشر وطم ويقسي القلب ما انشغل به كثير من شباب المسلمين من متابعة الألعاب الرياضية، والانسياق وراءها، وقضاء الأوقات في مشاهدتها، فأصبحت شغلهم الشاغل، ولا هم لهم إلا متابعتها، وانتصار فريق، وانهزام فريق آخر.

   والرياضة بحد ذاتها أمرٌ لا بأس به، ولكن إذا تجاوز الأمر على أن تصبح حياة الإنسان رياضته، فهو في حال نومه، ويقظته معها، فقد لها، وقسا قلبه.

   ومما انتشر في واقع كثير من المسلمين، وظهرت آثاره في قسوة قلوبهم التساهل في المأكل، والتغذية المحرمة، فتغذية الجسد على الحرام له آثاره السيئة، فهي تؤثر على الأخلاق والسلوك، وتكسل عن الطاعة، وتنشط على المعصية، وتقسي القلوب، وتقربه من الشيطان، وتبعد عن الرحمن، وهذا ظاهر على أخلاق الذين يأكلون الربا والرشوة، ويشربون المسكرات والمخدرات، فإن آثار هذه الخبائث تظهر على أبدانهم وأخلاقهم وسلوكهم وتصرفاتهم.

أيها المسلمون!

   إن التساهل في المعصية الصغيرة يؤدي إلى نتائج وخيمة وخطيرة، فأول قسوة القلب نكتة سوداء صغيرة، فتكبر مع الاستمرار في هذه المعصية، روى الترمذي، وغيره أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (إن المؤمن إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب، ونزع، واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله، عز وجل، بقوله : (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).

   اتقوا الله عباد الله، وجدوا واجتهدوا في إصلاح قلوبكم، وقلوب أسركم، وذراريكم، واقتدوا بنبيكم الذي يدعو ليل نهار : يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك)  ، واستغفروا ربكم، وتوبوا إليه، فإن العمر محدود، والآجال لا تزيد، ولا تنقص لعل الله أن يغفر لكم . وصلوا وسلموا، على البشير النذير، كما أمركم الله سبحانه في كتابه فقال جل من قائل: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً). والحمد لله رب العالمين.



بحث عن بحث