الخطبة الثانية

  الحمد لله وكفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الحنفاء ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين واقتفى.

أما بعد، عباد الله!

   في الحديث المتفق، عليه عن زينب بنت جحش، رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله : أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : "نعم إذا كثر الخبث".

  وعن جابر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "أوحى الله، عز وجل، إلى جبريل عليه السلام: أن اقلب مدينة كذا وكذا، فقال يا رب إن فيهم عبدك فلاناً لم يعصك طرفة عين، فقال اقلبها وعليه، فإن وجهه لم يتمعََّر فيَّ ساعة قط"  .

   وعن عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: " إذا ظهر الربا والزنا في قرية أذن الله بهلاكها" . وقال مجاهد رحمه الله: إن البهائم تلعن عصاة ابن آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم. (3)

   أيها المؤمنون! من هنا نعلم أن لكل منا دوره الإيجابي أو السلبي في حصول هذه السنَّة، سنَّة التغيير، فمن اتقى وأصلح كان لبنة في صلاح الأمة وأمنها واستقرارها ، ومن أفسد وعصى كان جزءاً من أسباب حلول النقم والعقوبات.

فأنت أيها الأب.. وأنت أيتها الأم... بصلاحكما يصلح صغاركما، وبحسن التربية والتعاهد تقدمان لبنة في صلاح المجتمع والأمة؛ بقيامكما بمسؤوليتكم التي كلفتما بها. وبتقصيركما يكون عليكما كفل من تأخر الأمة وضعفها.

   والتاجر الصدوق: والموظف الأمين.. والطالب المجتهد .. وكل فرد في المجتمع، له دوره بالإيجاب أو السلب كذلك.

  أيها المؤمنون: كما خص الله تعالى بعض المعاصي بأنواع العقوبات، فإن للطاعات آثارها وثمارها في الدنيا والآخرة، قال الله جل وعلا : ( فقلتُ استغفِروا ربَّكُم إنَّه كان غفاراً* يُرسل السَّماء عليكم مدراراً* ويُمددكم بأموالٍ وبنينَ ويجعل لكُم جنَّاتٍ ويجعل لكم أنهاراً) (نوح: 10-12)، وقال عز وجل : (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) (الأعراف: 96)، وقال سبحانه : (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب) (الطلاق: 3)

   وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، في بيان آثار الإيمان والطاعات في تغيير أحوال أصحابها: " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه"  وقال صلى الله عليه وسلم: " وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)،

   وقال صلى الله عليه وسلم : "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكـان ينـزلان ؛ فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر : اللهم أعـط ممسكاً تلفاً "  .. إلى غيرها من الأحاديث الكثيرة التي صحت عنه صلى الله عليه وسلم.

عباد الله !

   في ضوء هذا الفهم الرباني القرآني لسنة التغيير نعلم أن ما حل بأمة الإسلام من ذل وهوان وتطاول من الأعداء هي نذر من الله تعالى وابتلاء للمسلمين، فتجد تساهلاً في الصلاة، ومنعاً أو تأخير الزكاة، وعقوقاً للوالدين وغيبة ونميمة، وتعاملاً في المحرمات وغيرها.

أيها المسلمون! وبهذا الفهم نفسه لسنة التغيير نوقن أن نجاة الأمة وسلامتها منوطة بأن نعود جميعاً – فرادى وجماعات، رعاة ورعية- إلى نفوسنا باللوم على ما فرطنا في جنب الله، وألا نعلق عجزنا وفشلنا على الأسباب الخارجية وحدها؛ لوماً إيجابياً يدفع إلى تدارك الخلل والقصور والتوبة من الذنوب، والقيام بما حملنا من أمانة ومسؤولية؛ حتى نكون أهلاً للنصر والتمكين والاستخلاف في قوله تعالى : ( وعد اللَّهُ الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلِفنَّهم في الأرض كما استخلف الَّذين من قبلهم وليُمكننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليُبدلنَّهُم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يُشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) (النور: 55)

   والله المستعان والهادي إلى سواء السبيل.. اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، ثم صلوا وسلموا على رسول الله كما أمركم الله جل وعلا في كتابه العزيز حيث قال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).



بحث عن بحث