الخطبة الثانية

  الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب شديد العقاب، أحمده سبحانه، وأشكره شكر العبد التواب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله والأصحاب، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المصير والمآب، أما بعد :

أيها المسلمون!

   أما أصحاب القسم الثالث من أهل الرجاء، وهم الذين انغمسوا في شهواتهم، وتمادوا في خطاياهم، مصرين عليها، أو مجاهرين بها، ولم يتوبوا منها، فهم يرجون رحمة الله بلا عمل يعملونه، ولا توبة يقدمونها، فهذا رجاء كاذب، بل هو غرور وتمنٍ، وهؤلاء كمن لا يحافظ على الصلاة، ثم يقول: إن الله غفور رحيم، أو يجاهر بالربا، ويتعامل به ويقول: إن الله عفو كريم، أو يلهو مع اللاهين، ويعبث مع العابثين، ويقول: إن الله أكرم الأكرمين، فهؤلاء وأمثالهم قد أخطأوا على أنفسهم، وغرتهم الأماني، ووقعوا في شراك الشيطان، وخداع النفس الأمارة بالسوء، فليتنبه هؤلاء وأولئك، ويعلموا أن رجاء رحمة الله بلا عمل رجاء مذموم، ولا يزعم زاعم بأن هذا الرجاء الكاذب من حسن الظن بالله، فهذا خداع شيطاني، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور، وأن حسن الظن إن حمل على العمل، وحث عليه وساعده وساق إليه، فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة فهو غرور، واجتراء على الله تعالى).

أيها المسلمون!

  إن المؤمن في هذه الحياة يسعى جادّاً في أعماله الصالحة، وتركه للذنوب والمعاصي يحدوه الخوف من الله تعالى وعقوبته، ويحثه الرجاء ، ويحركه ذلك إلى الإنتاج والعمل، فاجمعوا بين الأمرين في هذه الحياة، واعملوا بهما جنباً إلى جنب، فمع العمل والسعي يرجى الثواب ، ويخشى من عدم قبوله، ومع الذنب والخطأ الإسراع بالتوبة والإنابة، ويرجى قبولها، ويخشى ردّها، وما دام العبد في هذه الحياة عاملاً، فليغلب جانب الخوف، وإذا ما حضرته الوفاة غلب حسن الظن بالله ورجاء ما عنده ثقة بموعوده، فاعملوا وأبشروا وأملوا، فإن خزائن الله ملآى، ورحمته واسعة، وجوده لا يحد، وكرمه لا يعد، وعطاؤه لا ينفد، وهو غفور رحيم، جواد كريم، يحب الطائعين، ويقبل توبة التائبين، ويغفر للمستغفرين (لله أفرح بتوبة عبده من الأم بولدها) كما روي عنه عليه الصلاة والسلام قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير) [التحريم: 8].

  وصلوا وسلموا على نبينا محمد حبيب الله وخليله المحمد، كما أمركم الله في كتابه الكريم بقوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي...)



بحث عن بحث