الخطبة الثانية

  الحمد لله توعد بالزيادة لمن شكر، وتفضل بقبول من دعا واستغفر، أحمده سبحانه على فضله المدرار، وأشكره على نعمه الغزار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً ورسوله خير عباد الله الشاكرين، وسيد الأوابين والمستغفرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وعلى منهاجهم اقتفى وسار.

  أما بعد : عباد الله ! إن من يتَّصف بهذه الصفة الحميدة، ويقوم بهذا الشكر، فله الجزاء الأوفى، جزاؤه الزيادة من فضل الله ونعمه ، (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) [إبراهيم: 7] ثم إن هذه صفة سيد الأولين والآخرين،  عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فقال عن نفسه:(أفلا أكون عبداً شكوراً)  كما جاء ذلك في الصحيحين، فالشاكر مقتد به سائر على خطواته وعلى خطوات أصحابه وأهل الإيمان به الذين وصفهم الله تعالى بقوله : ( إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً) [الإنسان: 22]، جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصـى معاذاً رضي الله عنه فقال: " يا معاذ! إني أحبك، فلا تنس أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"  .

أيها المسلمون!

   ليس من صفات المؤمنين حقّاً أن ينسوا أو يتناسوا أو يغفلوا أو يتشاغلوا عن شكر خالقهم سبحانه، فيقعوا في كفران النعمة، فيبدل الله أمنهم خوفــاً،

ونعمهم نقماً، وغناهم فقراً، وشبعهم جوعاً، وقوتهم ضعفاً ، ونور طريقهم تخبطاً وضلالاً وتيهاً، وقد قص الله علينا حال كثير من الأمم التي كفرت بأنعم الله مع قوتها وجبروتها وطغيانها وعدتها (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) [النحل: 112] ، وهذه سنة الله ثابتة لا تتغير عندما يكفر الناس بنعم الله تعالى.

أيها المسلمون!

   إن من يستعمل نعم الله المالية أو البدنية أو الصحية أو غيرها في معاصي الله، أو لا يقوم بحقوق الله الواجبة عليه، أو لا يستعملها فيما أحل الله سبحانه، أو يصل به الأمر إلى أن يسندها إلى غير الله تعالى، كأن يسند هذه النعم إلى ذكائه وحرصه ومتابعته وغير ذلك، أو لا يعترف بأنها من عند الله، أو تغره وتبطره، وتجعله يتكبر على غيره، ويمتن بها على عباد الله، فيتعالى عليهم ويتجبر ويطغى، كل هؤلاء وأمثالهم وقعوا في كفران النعمة، ويخشى أن تحل بهم العقوبة كما حلت بغيرهم من أمم الكفر قديماً وحديثاً، فاتقوا الله، عباد الله، واشكروا نعمة ربكم، وتخلقوا بهذا الخلق العظيم، واستعملوا جوارحكم بطاعة الله، وأموالكم بالإنفاق في سبيل الله، واستغلوا صحتكم فيما يقربكم إلى الله، والهجوا بألسنتكم بالذكر والشكر لله، واسألوا الله المزيد من فضله وإحسانه، وصلوا وسلموا على خير الشاكريـن، نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، كما أمركم المولى الكريم في كتابه العظيم فقال سبحانه: (إنّ الله وملائكته يصلون على النبي.......).



بحث عن بحث