الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون! ومن ضروب الإحسان، إتقان العمل، وأداؤه على أحسن وجه وأتمه، والقيام به على وجهه الشرعي، ولو كان في نظر الإنسان أمراً تافهاً، أو شيئاً حقيراً، وسواء كان للخلق من الناس، أو للحيوانات والبهائم، فالإحسان يشمل ذلك كله، روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم، فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته"  . فحتى البهائم حال ذبحها لا يعذبها، فيحد الشفرة، وليجهز عليها بسرعة، فيريحها، ويخفف آلامها.

   وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض  ، فإذا كان الإحسان إلى البهائم سبباً لدخول الجنة، فما بالكم أيها المسلمون بالإحسان إلى الناس فضلاً عن الإحسان إلى المسلمين؟

   ومن ضروب الإحسان: الإحسان إلى الذرية بتربيتها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والقيام بحقوقهم، ورعايتهم، وكذا الإحسان إلى كل مـن ولاك الله شأنهم من موظفين وعمال وخدم وغيرهم، فتقوم بحقهم ولا تبخس شيئاً ، تحسن إليهم بما أوجبه الله عليك تجاههم.

أيها المسلمون! وكما يكون الإحسان بالفعل والعمل، يكون بالقول والمخاطبة بالحسنى، والكلام اللين، وبانتفاء العبارات المهذبة، والألفاظ الحسنة، فتقوم علاقة الناس على المودة والمحبة، والأخوة والألفة، وتبعد نزغات الشياطين، فتصفو القلوب، وترتاح الضمائر، وتقوى العلاقات والصلات بين المسلمين بعضهم ببعض، يقول جل وعلا: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إنَّ الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوَّاً مُبيناً) [الإسراء: 53].

   ويقول سبحانه: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنَّه ولي حميم وما يُلقَّاها إلاَّ الذين صبروا وما يُلقَّاها إلا ذو حظ عظيم) [فصلت: 34، 35].

أيها المسلمون! الإحسان بهذا المعنى، وبهذا التطبيق تغفر به الذنوب، ونكفر السيئات، وتمحى الخطايا والزلات، يقول جل وعلا: ( إن تُقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم) [التغابن: 17]  

   الإحسان وسيلة عظيمة لرفعة الدرجات، ومضاعفة الحسنات، والقرب من رب البريات: (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) [النحل: 30]، ويقول سبحانه: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) [يونس: 26] وقد فسر كثير من أهل العلم أن الزيادة هي النظر إلى الخالق جل وعلا، رزقني الله وإياكم لذة النظر إلى وجهه الكريم، وصلوا وسلموا على سيد المرسلين، كما أمركم الله في كتابه الكريم حيث قال: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي........).



بحث عن بحث