الخطبة الثانية

   الحمدلله وحده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

أيها المسلمون! وأما علاج هذه الأسباب وتخفيفها من واقع الأمة، فيحتاج إلى جهد من الجميع رجالاً ونساءً ، مؤسسات وجمعيات وأفراد؛ لأن أخطارها الجسيمة عامة لا تستثني أحداً، ومن بين العلاجات التي يمكن أن تحد من ظهور هذه الأسباب ما يلي:

من ذات الشباب والفتيات:

   حيث يبدأ العلاج الأول من الشباب والشابات أنفسهم، وذلك باللجوء إلى الله تعالى، واتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتواصل الدائم مع هذين المصدرين، في السراء والضراء، وعدم اللجوء إلى غير ذلك ؛ لأنه ليس بعد الحق إلا الضلال، يقول الله تعالى: (وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه ولا تتَّبعوا السُّبل فتفرَّق بكم عن سبيله ذلك وصَّاكم به لعلَّكم تتَّقون) [الأنعام: 153].

   ويقول جل ثناؤه: (ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نُقيِّض له شيطاناً فهو له قرين* وإنَّهم ليصدُّونهم عن السَّبيل ويحسبون أنَّهم مهتدون) [الزخرف: 36، 37).

   ويقول أيضاً : ( إنَّ الذين اتَّقوا إذا مسَّهم طائفٌ من الشَّيطان تذكَّروا فإذا هم مُبصرون) [الأعراف: 201].

   وهذا التذكر هو مراقبة الله تعالى في السر والعلن، والحل والترحال؛ لأنه الملاذ الذي يحصن فيه الإنسان نفسه من شرور الشياطين وهمزاتهم، يقول الله تعالى: ( ألم تر أنَّ الله يعلم ما في السَّماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلاَّ هو رابعهم ولا خمسةٍ إلاَّ هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاَّ هو معهم أين ما كانوا ثم يُنبِّئهم بما عملوا يوم القيامة إنَّ الله بكلِّ شيءٍ عليم) [المجادلة: 7].

  فإذا تحرك هذا الشعور الإيماني عند المؤمن، فإنه يتحرر من ربقة الهوى، وهمزات الشياطين، ويتحول إلى أداة فاعلة ومؤثرة في مجتمعه، وتصبح أعماله كلها صالحة وهادفة، لتحقيق مبدأ العبودية التي خلق من أجلها في هذه الحياة.

  ينبغي على الشباب أن يرقوا إلى ذلك المستوى ويربو أنفسهم على ذلك.

أيها المسلمون!

    ومن العلاج أيضاً أن يقوم الوالدان بمسؤوليتهما.

 2- دور الأبوين:

   فكما يتحمل الأب مسؤولية تربية الأبناء، فإن الأم كذلك تتحمل هذه المسؤولية، لقوله تعالى: ( يا أيُّها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها النَّاس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم: 6] ولقوله عليه الصلاة والسلام: "والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها" رواه البخاري ومسلم.  وذلك بتربية أولادهم بنين وبنات على الاستقامة والبعد عن الانحراف وأن يهيئوا لهم الرفقة الصالحة

  فهي من أهم العلاجات الضرورية واللازمة للشباب والبنات في تأمين البيئة وهو ما عبّر عنه الشاعر بقوله:

    عن المرء لا تسل وسل عن قرينه           فكل قرين بالمقارن يقتدي

   ويقول عليه الصلاة والسلام :" لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي"  رواه الترمذي، وأبو داود.

ومن العلاج استغلال الفراغ بما يرضي الله تعالى:

  إن المؤمن الصادق لا يعرف الفراغ الزمني، وإنما هو في حالة حركة وعمل دائبين، لأنه محاسب على كل لحظة يقضيها في هذه الحياة بالخير أو الشر، فالوقت ليس ملكاً له يتصرف فيه ما يشاء، وكيف يشاء ، وإنما هو وسيلة ليتحرك الإنسان من خلاله، والمؤمن العاقل يملؤه بما يرضي الله تعالى، ويحقق الخير والمنفعة لنفسه وأهله وأمته.

 يقول عليه الصلاة والسلام: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحـة والفراغ" رواه البخاري  .

   فينبغي على العاقل أن يستغل أوقاته، ولا يفرط فيها؛ حتى يتجنب المعاناة والمآسي في الدنيا، ويسلم من السؤال عنها يوم القيامة، يقول عليه الصلاة والسلام: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟" رواه الترمذي  .

أيها المسلمون!

وأخيراً لا بد من التنويه إلى أهمية دور المؤسسات التربوية والاجتماعية.

   في تقويم سلوك الشباب والبنات، وذلك باحتضانهم، وتأمين البيئة الإيمانية لهم، واستغلال طاقاتهم وقدراتهم في أوجه الخير المختلفة، لا سيما في أوقات الفراغ، من خلال الندوات العلمية والنشاطات الثقافية، وتنمية المهارات لديهم، وانتقاء الموهوبين منهم؛ ليكونوا ذخراً للأمة في مستقبلها.

   فعلى الجميع التكاتف والتعاون على البر والتقوى حتى يتحصن الشباب والفتيات من كل دخيل عليهم ويسلم المجتمع بأسره.

   وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه في قوله تعالى: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي....).



بحث عن بحث