الخطبة الثانية

  الحمد لله الذي توعد بالزيادة لمن شكر، وتفضل بقبول من دعا واستغفر، أحمده سبحانه على فضله المدرار، وأشكره على نعمه الغزار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله خير العباد الشاكرين، وسيد الأوابين والمستغفرين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وعلى منهاجهم اقتفى وسار.

أما بعد: أيها المسلمون!

الوقفة السادسة: في فعل ما يجب على الأفراد والمجتمعات والأمة بأكملها، وفي مقدمة ذلك معرفة أن ما أصيبت به الأمة من ضعف وخور وذلة وانهزام إنما هو بسبب ذنوبها ومعاصيها ومحادتها لله تعالى، ها هي في كثير من الأقطار الإسلامية تعيش التخبط العقدي، والتوسل بغير الله، ودعاء الأضرحة والأولياء، والركض وراء السحرة والمشعوذين، وها هي تعيش التخبط الاقتصادي من التعامل بالربا رأس البلاء مانع إجابة الدعاء، وغيره من التعاملات المحرمة، وها هو ترك الواجبات الأساسية؛ ضعف في أداء الصلاة، ومنع أداء الزكاة، فضلاً عن البر والإحسان، وها هو التخبط في الاجتماع والإدارة، واتباع الكفرة في المظهر والمخبر، وانسياق وراء الشهوات والملذات، وتبلد الإحساس، أين شباب المسلمين وفتياتهم لشعورهم في قضاياهم؟ ها هو التخبط الإعلامي بفنونه ومجونه، وها هم المنهزمون من الأمة يعلون منابر الإعلام أجهزة مرئية، وصحافة مقروءة.

   إن ما أصاب الأمة بلا شك بسبب ذنوبها (وما أصابكم من مُصيبةٍ فبما كسبت أيديكُم ويعفُوا عن كثيرٍ) (الشورى: 30) .إن كل فردٍ من الأمة مسؤول عن تغيير نفسه، وتغيير بيته، وتغيير مجتمعه وأمته، فإذا تغير الناس وتمسكوا بحبل الله، وعضوا على الدين بالنواجذ انطلقت الأمة وراء النصر المبين بإذن الله (إنَّ اللَّه لا يُغيِّرُ ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفُسِهم)(الرعد: 11).

  وهذا - عباد الله !- يحتم ضرورة المشاركات الأخرى لإخواننا في فلسطين، ومن أهمها الدعاء الصادق، في الصلوات، والخلوات، في الأسحار، وفي أوقات الإجابات بنصرة المسلمين، وانهزام أعدائهم، والمشاركة المادية بكل ما نستطيع، ولو بالقليل، وبالمشورة والرأي، وتوضيح صورة الأعداء، والحث على التمسك بالدين، والنصح والتوجيه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هذا شيء من الواجب.

الوقفة السابعة: إن الطريق الواضح أمام الموجهين للأعداء هو الجهاد، الذي هو طريق العزة والمنعة، والجهاد برفع راية الدين، لا القوميات، ولا العرقيات، ولا الوطنيات، الجهاد للذود عن الحمى والأعراض، والديار والممتلكات، فما أرعب كلمة الجهاد لدى أعداء الله، فالجِدُّ يورث الجِدَّ، والانهزام لا يورث إلا الذلة والهوان، ولكن لنبدأ الجهاد لذواتنا وشخصياتنا، وبيوتنا، ومجتمعنا لتستقيم على طاعة الله تعالى هذا هو الجهاد الحق أولاً.

الوقفة الثامنة: إننا نوقن يقيناً بأن النصر لهذا الدين، وأن الغلبة لأولياء الله تعالى طال الزمن، أو قصر، ولكن للنصر عوامل أهمها نصر الله: (إن تنصُرُوا اللَّهَ ينصركُم ويُثبِّت أقدامكُم) (محمد: 7) والمعركة مع اليهود قائمة، والعاقبة للمتقين، والنصر للمجاهدين، فقد جاء في الحديث المتفق عليه أن الشجر والحجر ينادي المسلم:يا مسلم يا عبدالله وراءي يهودي تعال فاقتله لكن متى يكون ذلك؟ عندما يكون المسلمون يداً واحدة متمسكين بهدي الله تعالى غير منهزمين في نفوسهم وفي مجتمعاتهم.

الوقفة التاسعة: يجب على كل مسلم أن يعتز بدينه، ويقوي شعوره وإيمانه بربه، فلا يأس، ولا قنوط فـ (إنَّه لا يائسُ من رَّوح اللَّهِ إلاَّ القومُ الكافرون) (يوسف : 87) . وهذا الشعور الفياض يقود إلى الجد والعمل، وبذل الأسباب، فيكون كل مسلم ومسلمة عاملاً من عوامل النصر، ولبنة صالحة للبناء والتشييد، ومفخرة من مفاخر الأمة.

الوقفة العاشرة: إننا نؤمن أن مع العسر يسراً، وأن للكرب نهاية، وأن الظلمات تحمل في أحشائها الفجر المنتظر، إن الدين الذي صلح به الأولون سيصلح به الآخرون، لا محالة، إن الدين الذي ضمن العزة والمنعة لأسلافنا الماضين، لا يزال هو الدين الذي لا يغيره الزمن، ولا تجافيه الفطرة، ولا تنسخه المذاهب.

أيها المسلمون!

  آن الأوان ليكشف الناس عن العيون غشاوة الباطل، ويجلوا عن القلوب صدأ الغفلة، فيبصروا الطريق، ويستبينوا الغاية، فيتعاطفوا على البعد، ويتناصروا على القرب، ويتحدوا في موافقتهم مع الأحداث، ويقيموا شرع الله، ويصدقوا مع ربهم ومع أنفسهم، وحينئذ يشرق الصباح، وينجلي الظلام، يهدي الله لنوره من يشاء، ومن لم يجعل الله له نوراً، فما له من نور، (أَمَّن هذا الَّذي هو جُندٌ لّكم ينصرُكُم من دُونِ الرَّحمن إن الكافرونَ إلاَّ في غُرور) (الملك : 20)

  ثم صلوا وسلموا على رسول الله كما أمركم الله جل وعلا فقال: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).



بحث عن بحث