الر كن الأول: الإيمان بالله:

توحيد الله تعالى بربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وإفراده بهذا التوحيد، وعدم الإشراك به بأي نوع من أنواعه. وهذا الركن هو أصل هذه الأركان. وبيان هذا الركن كما يلي:

أ - توحيد الربوبية:

وهو توحيد الله تعالى بأفعال الرب سبحانه فيقر العبد بأن الله سبحانه هو الخالق الرازق المتصرف، المحيي المميت ، الذي بيده ملكوت كل شيء، يقول للشيء كن فيكون، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، قال سبحانه : ]الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)   وقال سبحانه أيضاً: ]قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)   . 

ب ­ وتوحيد الألوهية:

وهو أن يوحد العبد ربه بأفعال العبد نفسه فلا يعبد إلا الله، ولا يدعوا إلا لله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا ينحر إلا لله، ولا يصلي إلا لله ولا يزكي إلا لله، ولا يرجو إلا الله وهكذا ، فيفرده عز وجل بجميع أنواع العبادة، الظاهرة والباطنة، قولاً وعملاً، وأنه سبحانه المستحق لهذه العبادة، كما قال سبحانه: ]ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) وكذلك قولـه سبحانه:]وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) ولهذا فقد أبطل الله تبارك وتعالى اتخاذ المشركين الآلهة من دونه ببراهين عقلية منها:

1 - أن أي آلهة دون الله لا تَخلُق، ولا تجلب نفعاً، ولا تدفع ضراً، ولا تملك حياة ولا موتاً، ولهذا قال سبحانه وتعالى: ]وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً) .

2 - أن المشركين لما كانوا يقرون بأن الله تبارك وتعالى هو الرب الخالق الذي بيده كل شيء، فإن هذا يستلزم منهم أن يوحدوا العبادة لـه سبحانه كما وحدوه في الخلق ولهذا قال سبحانه: ]قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)  . 

ج - توحيد الأسماء والصفات:

وهو الإيمان بما سمى الله به نفسه في كتابه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم  وبما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم  .

وإثبات ذلك من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.

وذلك أن نثبتها لله تبارك وتعالى إثباتاً يليق بجلاله لا يشابهه أحد من خلقه .

فلا نحرف أسماء الله وصفاته عن معانيها، ولا نعطلها وذلك بأن ننفي المعاني الصحيحة لأسماء الله وصفاته الحسنى ، ولا نكيف صفات الله تبارك وتعالى فلا نعيّن كيفيتها ولا هيئتها التي تكون عليه لأن هذا مما استأثر الله بعلمه، وكذلك لا نمثل الصفات فنشبه صفات الخالق سبحانه بأحد سواه .

ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قولـه تعالى: ]الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) قال : الاستواء معلوم، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ، وهكذا يقال في سائر الصفات ، قال تعالى : ]وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)  .

وقال سبحانه : ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)  .

وقد لخص العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في كتابه (القواعد المثلى) جملة قواعد في أسماء الله وصفاته رأيت أن أذكرها لعظم فائدتها وهي ما يلي:

1 - أن أسماء الله كلها حسنى ومتضمنة للكمال الذي لا نقص فيه.

2 - أسماء الله تعالى توقيفية من القرآن الكريم والأحاديث النبوية ولا مجال للعقل فيها، فلا يزاد اسماً لم يرد في النصوص الشرعية ولا ينقص ما صحت به النصوص النبوية؛ لأن العقل لا يمكن إدراك ما يستحقه الله سبحانه من الأسماء، وهذا كمال الأدب مع الله سبحانه وقد قال سبحانه في محكم التنزيل: ]قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)  .

3 - أن أسماء الله سبحانه وتعالى غير محصورة بعدد معين .

ودليل هذا ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان يدعو بقوله: (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك...)  .

كما أن هناك جملة قواعد في صفات الله تبارك وتعالى ينبغي لطالب العلم معرفتها ومنها:

1 - أن صفات الله تبارك وتعالى توقيفية من الكتاب والسنة ، ولا مجال للعقل فيها.

2 - أن صفات الله سبحانه كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، ولهذا قال سبحانه : ]لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)  . 

3 - أن صفات الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية فأما الثبوتية: فهي ما أثبته الله سبحانه لنفسه أو أثبته على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ كالعلم والقدرة والاستواء على العرش والوجه واليدين ، فيجب إثباتها على الوجه اللائق به تبارك وتعالى، وهذا النوع من الصفات صفات مدح وكمال.

وأما الصفات السلبية : فهي ما نفاه الله سبحانه عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم  ، كنفي الموت والجهل والنسيان والتعب، فمثل هذه الصفات تُنفى عن الله تبارك وتعالى مع إثبات ضدها ، وذلك لأن ما نفاه الله عن نفسه هو لأجل إثبات كمال ضده لا مجرد النفي، ولأن النفي بذاته ليس كمالاً ، كما لو قيل: إن الجدار لا يظلم .

4 - الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين ذاتية وفعلية:

الذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال الله سبحانه وتعالى متصفاً بها، ولا تنفك عنه، كصفة العلم والقدرة والسمع والعلو.

وأما الفعلية : فهي التي تتعلق بالمشيئة، فإن شاء الله سبحانه وتعالى فعلها وإن شاء لم يفعلها كالنزول إلى السماء الدنيا .

5 - أنه يلزم مع إثبات الصفات ترك التمثيل والتكييف:

لأن الله سبحانه وتعالى يقول:]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .

 وكذلك قال تبارك وتعالى : ]وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)  ، وقال: ]وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)  ولأنه لما عُلم أن هناك تبايناً بين الخالق والمخلوق في الذات فهذا يستلزم أن يكون هناك تبايناً واختلافاً في الصفات، لأن صفة كل موصوف تليق به كما هو ظاهر في صفات المخلوقات، ولذلك فقوة البعير تختلف عن قوة النملة وهما حيوانان، فعليه فلا يجوز بعد ذلك تشبيه صفة الخالق تبارك وتعالى بصفة أحد من المخلوقين، وكذلك يجب ألا نكيِّف صفات الله على هيئة معينة لأننا لم نرَ هذه الصفات فوجب الوقوف على ما جاء به الشرع . 



بحث عن بحث