الوقفة الأولى:

في بيان الألفاظ التي جاءت في هذا الباب :

(أمة): إماماً.

(القنوت): دوام الطاعة.

(حنيف): أي مائل عن الشرك.

(إلا من عين): وتسمى بالنفس أو الحسد وهي نظرة من حاسد تؤثر على المصاب.

(حُمة): بضم الحاء وفتح الميم وهي كل ذات سم أي لدغته إحدى ذوات السموم.

(الرهط): من الثلاثة إلى التسعة.

(سبعون ألفاً): قد يكون العدد مراداً فلا يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب إلا سبعون ألفاً، وقد يكون غير مراد ويكون المقصود المبالغة في الكثرة ولعله الأرجح.

(لا يسترقون): أي لا يطلبون الرقية من أحد.

(لا يتطيرون): مأخوذة من الطير والمراد أنهم لا يتشاومون بالطير أو بغيرها .

الوقفة الثانية:

 أورد المؤلف هذا الباب مكملاً للباب السابق، فهو لماّ ذكر فضل التوحيد وأنه يكفّر السيئات بيّن في هذا الباب أن من حقّق التوحيد دخل الجنة بغير حساب.

الوقفة الثالثة:     

أورد المؤلف آيتين تدلان على تحقيق التوحيد فالآية الأولى وهي قوله تعالى: ]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل:120].

عدّد الله فيها صفات إبراهيم نبيه وخليله عليه السلام بأنه قانت مداوم للعبادة والطاعة وحنيف: مائل عن الشرك وأكد ذلك بقوله: (ولم يك من المشركين) أي لم يكن مشركاً لا في القول ولا في الفعل .

والآية الثانية : ]وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) [المؤمنون:59] .

ذكر فيها شيئاً من صفات المؤمنين ومنها أنهم يجتنبون الشرك بجميع أنواعه الأصغر منه والأكبر، ولا يعني هذا أنهم لا يقعون في المعاصي ولكن إذا عصوا تابوا إلى الله وأنابوا ورجعوا عن ذنوبهم .

الوقفة الرابعة: مع حديث الباب ودلالته على تحقيق التوحيد :

رأى النبي صلى الله عليه وسلم  رؤيا في المنام - ورؤيا الأنبياء وحيٌ - فيمن يدخلون الجنة حتى رفع لـه سواد عظيم فظن أنهم أمته فقيل لـه: هذا موسى وقومه، ثم رأى سواداً عظيماً فقيل لـه: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم دخل منزله، فخاض الناس في معرفة من هم هؤلاء؟ فلما خرج عليهم أخبرهم بأنهم هم: الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون؛ فلا يطلبون من أحد أن يرقيهم أو يكويهم، ولا يتشاءمون بالطير أو بغيرها، ونالوا هذا الفضل وهو دخول الجنة بغير حساب لأنهم - اعتمدوا على الله حق الاعتماد وتوكلوا عليه حق التوكل وهذا هو تحقيق التوحيد .

الوقفة الخامسة :

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  في حديث الباب أن السبعين ألفاً (لا يسترقون) أي لا يطلبون من أحد أن يرقيهم، فهم كاملوا التوكل بخلاف من يذهب ويطلب الرقية عند الرقاة ويطلب الدواء عندهم فلو صدق في توكله على الله لكانت رقيته لنفسه تكفيه عن سؤال الناس أن يرقوه، ولا يفهم من هذا أن الإنسان يمنع الناس أن يرقوه ولكن لا يطلبها منهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي نفسه، ورقته عائشة رضي الله عنها، ورقاه جبريل عليه السلام، ولكن لم يسألهم ذلك.

الوقفة السادسة:

المتأمل في هذا الحديث يجد فيه صبراً ومواساة للدعاة في سبيل الله إذ أن الله يبعث الأنبياء إلى أقوامهم ويوحي إليهم، ومع هذا قد يستجيب لدعوته رجل أو رجلان، بل قد لا يستجيب لـه أحد، فعلى الداعية ألا يكسل ولا يترك عمله في الدعوة إلى الله إذا رأى إعراض الناس عنه وعن دعوته، ثم عليه أن يفتش نفسه إن كانت مقصرة في حق الله فليقمها على طاعته، ثم ينظر إلى طريقته في الدعوة هل هي مناسبة للناس أو لا، وعليه أيضاً أن يعمل الأسباب الأخرى التي تعينه على عمله في هذه الدعوة، فإن أعرض الناس بعد ذلك ولم يستجيبوا فليفوض الأمر إلى الله، وليعلم أن هناك من هو خير منه ولم يُستجب لدعوته .  ويؤكد هنا على عدم الغرور من الداعية وذلك بعدم مراجعته نفسه ولا طريقته، بل يراجع نفسه ويحاسبها ويستشير غيره ممن هو أعلا منه علماً وخبرة وتجربة والله من وراء القصد.

الوقفة السابعة:

هذا الحديث يدل دلالة واضحة على بعث المنافسة بين المؤمنين لكي يصلوا إلى هذه المرتبة العظيمة بأن يدخلوا الجنة بغير حساب ولا عذاب، فعلى المسلم الحق أن ينظر في العوامل التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الحصول على هذه الميزة العظيمة فيجتهد في العمل بها ، والقرآن والسنة مليئان بالنصوص التي تدل على أهمية هذه المنافسة وأن العبد يجب أن يخوض غمارها ولا يغتر بعمله القليل، قال تعالى: )وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُم)  ، وقال : )وَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ)  ، وقال سبحانه: )وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)   وغيرها كثير.



بحث عن بحث