لوقفة الأولى:

شرح مفردات الباب:

(الأصنام): جمع صنم وهو ما يكون منحوتاً على هيئة إنسان أو حيوان ونحوهما وعُبد من دون الله، وأما التمثال فهو ما يصنع مشابهاً لخلق الله من ذوات الأرواح وإن لم يُعبد، وأما الوثن: فهو ما عبد من دون الله تعالى سواء كان صنماً أو غيره، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) .

الرياء: مأخوذ من الرؤية أي المشاهدة، وهو أن يعمل الإنسان شيئاً من العبادات التي شرعها الله سبحانه لغيره تبارك وتعالى، ومن أجل أن يراه أحد الأشخاص.

والفرق بين الرياء والنفاق أن الرياء إظهار للطاعة مع إبطان المعصية ولا يلزم كونه مشركاً خارجاً عن الملة، أما النفاق فهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر والعياذ بالله.

(الند): الشبيه والمثيل.

الوقفة الثانية:

أورد المؤلف رحمه الله هذا الباب في التحذير من الشرك بعد أن أورد في الأبواب السابقة أهمية توحيد الله وفضله، لأن المسلم إذا لم يعرف الشر فقد يقع فيه، ولهذا كان حذيفة بن اليمان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم  عن الشر مخافة الوقوع فيه.

الوقفة الثالثة:

لقد ذكر العلماء أن الشرك نوعان: شرك أكبر، وشرك أصغر.

النوع الأول: الشرك الأكبر هو أن يجعل لله شريكاً في العبادة. أو أن يعبد غيره سبحانه كأن يدعو مع الله غيره أو يحب أحداً كحب الله أو يصرف شيئاً من العبادة لغيره سبحانه، وهذا النوع مخرج من الإسلام محبط للعمل ولا يغفر لصاحب هذا الشرك إذا مات من غير توبة إلى الله سبحانه، ودليل ذلك الآية الأولى التي ذكرها المؤلف، وهي قوله تعالى"            "[النساء: 48، 116]، وكذلك حديث ابن مسعود الذي ذكره، أما سائر المعاصي غير الشرك فهي تحت مشيئة الله إن شاء غفر للمذنب فيها وإن شاء عذبه.

النوع الثاني: الشرك الأصغر فهو كما جاء في حديث الباب أنه الرياء والمقصود يسيره، فإن صرف كامل العبادة لأحد الخلق فهذا مشرك شركاً أكبر، وهذا مثال، أما ضابطه فهو ما كان وسيلة إلى الشرك الأكبر، والشرك الأصغر لا يخرج من الملة .

وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يغفر لصاحبه إذا مات ولم يتب منه أم أنه لا يغفر له بل يعذب عليه، ولكن صاحبه غير مخلد في النار لأنه لا يخرج من الملة على قولين لأهل العلم، والصواب – والله أعلم – أنه تحت مشيئة الله إن شاء غفر له بمنه وكرمه وإن شاء عذبه بقدر معصيته. وهذا النوع من أخطر الأنواع على الصالحين لسهولة الوقوع فيه، أما المسرف على نفسه بالمعاصي فلا يؤتى من هذا الجانب غالباً لبعده عن الأعمال الصالحة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم  يخاف على أصحابه رضي الله عنهم ثم على أمته من هذا النوع.

الوقفة الرابعة:

لا شك أن الشرك بالله هو أعظم الذنوب وأقبحها، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم  عن أعظم الذنوب قال: (أن تجعل لله ندا وهو خلقك) .

وإنما صار كذلك لعدة أمور منها:

1) أنه أظلم الظلم ولهذا قال تبارك وتعالى: ( إنَّ الشِركَ لظُلمٌ عَظيمٌ )  وقال سبحانه أيضاً: ( ثمَ الذينَ كَفَروا بربِّهم يَعدِلونَ )   ووجه ذلك: أنه تنقيص لرب العالمين تعالى وتقدس، وصرف أمر خالص له سبحانه لغيره.

2) أنه مخالفة لأمره سبحانه في مقصود خلق الناس وهو العبادة، كما قال تبارك وتعالى: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)  وفيه استكبار عن طاعته والذل له والانقياد لأوامره وترك ما نهى عنه سبحانه.

3) أن الشرك تشبيه للخالق بالمخلوق تعالى وتقدس سبحانه.

فالله هو الذي لـه مطلق النفع والضر، وهو الرزاق ذو القوة، ويمنع من يشاء بحكمته، ومصرف الأمور كيف يشاء، فهو الذي يجب أن تتعلق به النفوس فيكون الدعاء والخوف الرجاء والتوكل وسائر العبادات لـه سبحانه. ومن صرف شيئاً من ذلك لأحد غير الله فقد صيره نداً وشريكاً لله تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً .

ولهذا كان الصالحون يخافون على أنفسهم من الوقوع في الشرك لعلمهم بخطره كما قال إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام:]واجنُبني وبَنيّ أن نعبُد الأصنَامَ)  وبين الخليل سبب ذلك بقوله: ]رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) .

الوقفة الخامسة:

إذا وقع الرياء من مسلم فهل يحبط كل عمله أم جُزءاً من أجره؟ وجواب ذلك : إن العمل إذا خالطه شيء من الرياء فلا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون الرياء في أصل العبادة، بمعنى أن الباعث والسبب في عمله الرياء ولم يعمل هذه القربة إلا لأجل أن يراه أحد من الخلق، فهذا النوع يبطل العبادة ولا تقبل منه، ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم : (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) .

الحالة الثانية: أن يطرأ الرياء على العبادة، بمعنى أن يكون باعثاً هذه القربة لله عز وجل ابتغاء مرضاته دون سواه ثم يطرأ عليها الرياء وهذا لا يخلو من أمرين:

إما أن يدافعه ما استطاع، فهذا لا يضر عبادته بشيء والشيطان حريص على الوسوسة للمسلم ولو قيل بفساد العبادة بمجرد خاطر الرياء الذي يدافعه المسلم ما استطاع فإن ذلك يوقع حرجاً عليه.

أما إذا لم يقم المسلم بمدافعة الرياء واسترسل معه وركن إليه واستسلم له فهذا على قسمين:

القسم الأول: أن يكون آخر العبادة مبنياً على أولها بحيث لا يصح أولها مع فساد آخرها مثل من قام يصلي العصر وأثناء صلاته طرأ عليه الرياء واسترسل معه ولم يدافعه ففي هذه الحالة تبطل كامل العبادة.

القسم الثاني: أن يكون آخر العبادة منفصلاً عن أولها بحيث يصح أولها وإن فسد آخرها مثل قراءة القرآن فيصح ما كان خالصاً لله ويبطل ما خالطه الرياء  . 

نسأل الله تعالى السلامة والعافية من كل سوء.



بحث عن بحث