الوقفة الأولى:

شرح مفردات الباب:

(يعوذون) : الاستعاذة هي الالتجاء والاعتصام مما يحذر من أمور الشر، أما الاستعانة فهو الاعتصام بأحد لطلب أمر فيه خير .

(رهقاً): أي خوفاً وذعراً وإثماً.

(كلمات الله): هي القرآن.

(التامات): الكاملات التي لا يلحقها نقصٌ ولا عيب .

الوقفة الثانية:

الاستعاذة من حيث حكمها تنقسم إلى قسمين :

أ - الاستعاذة المشروعة : وهي الاستعاذة والاعتصام والالتجاء إلى الله لدفع الشرور وكل ما يخافه الإنسان ، من الإنس والجن والحيوان المفترس وكذا الخوف من المستقبل.

ب - الاستعاذة الممنوعة : وهي الاستعاذة والالتجاء لغير الله عز وجل مهما كان وعلت منزلته في أمر لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أكبر مخرج من الملة ؛ لأنه صرف عبادة لغير الله عز وجل مما لا يقدر عليه إلا الله .

ولكن إذا كان المخلوق يقدر عليه فيجوز الاستغاثة به، كالرجل الذي يُستغاث به ليناصر قومه على الأعداء إن كان قادراً عليه، أو الذي يذهب لأمير ليستجيره من رجل يريد قتله ، أو خشي من الغرق فيستغيث بمن يستطيع إنقاذه منه.

الوقفة الثالثة:

في قولـه تعالى : ]وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً)  يحكي الله سبحانه عن أناس من الإنس يلجأون ويعتصمون ببعض الجن يعرفونهم أو لا يعرفونهم ظناً منهم أن هؤلاء الجن قادرون على أن يعصموهم مما يخافه الإنس، فبين الله سبحانه وتعالى أن من الآثار السيئة في الدنيا لهذا الالتجاء الغير مشروع هو أن الجن تمكنوا من الإنس وزادوهم خوفاً وذعراً أكثر مما أصابهم من قبل .

وكان الواجب الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى كما قال : ]وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ )  وقال تبارك وتعالى أيضاً: ]وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) ولذا جاءت الشريعة بنصوص كثيرة من لازمها أن يعصم الإنسان من جميع الشرور بإذن الله ومنها:

  • ما جاء في قصة أبي هريرة مع الشيطان حينما كان يحفظ الزكاة فجاءه الشيطان ليأخذ منها فمسكه أبو هريرة ثم خلى سبيله لما علم شدة حاجته، ففعل معه ذلك ثلاثاً، وفي الثالثة لما هم أن يرفع أمره إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال لـه الشيطان: (إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ]اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح) فخلى أبو هريرة سبيله، فلما عرض ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أما إنه قد صدقك وهو كذوب)  .
  • ما رواه عقبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عن سورتي الفلق والناس (ما سأل سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما)  .
  • ومنها ما جاء عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)  يعني كفتاه من جميع الشرور والآثام.
  • وما رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء)  .
  • وكذلك ما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال : (لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه لـه الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت لـه عدل عشر رقاب، وكتبت لـه مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت لـه حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك)  .

إلى غير ذلك من الأوراد والأحصان الشرعية الواقية من شر المخلوقات ، فمن حافظ على مثل هذه الأوراد كان حري أن يُحفظ في نفسه وعرضه وولده وماله، كما أن هذه الأوراد سبب للطمأنينة والأمن المعنوي والحسي، ومن التحصين تحقيق التوحيد وصدق الالتجاء إلى الله وهو سبب للطمأنينة وعدم الخوف أيضاً، لذا قال تبارك وتعالى: ]الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)  ولا شك أن الراحة النفسية مطلب عزيز يتمناه كل من في الدنيا، ونحن المسلمين عندنا الدواء العاجل الناجح لهذا الأمر الذي تبحث عنه الدول والمجتمعات والأفراد بأموالهم وحيلهم وطبهم ، فعندنا قوة التعلق بالله عز وجل ومنها الاستعاذة به تبارك وتعالى من الشرور والآثار كلها فيحصل ما تصبوا إليه المجتمعات وترجوه .

الوقفة الرابعة:

في حديث خولة رضي الله عنها الذي أورده المصنف إشارة إلى أهمية هذا الذكر، وأن المسلم أينما حل سواء أكان في بيت أو شقة مستأجرة أو في البر أو ركب سيارته أن يقول هذا الذكر العظيم الذي سيكون بإذن الله حامياً لـه، والواجب عليه أيضاً أن يُعَلِِّم ذريته، وأسرته هذا الذكر ليتعودوا عليه ، وله أن يعوذ أبناءه بنفسه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الحسن والحسين، وإن قال هذا الدعاء في غير هذه المواضع فلا بأس بذلك إذ هو من الدعاء والدعاء لله تبارك وتعالى يكون في كل الأحوال . وقد روي عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه استدل بهذا الحديث على أن كلام الله عز وجل صفة من صفاته غير مخلوق، إذ لو كان مخلوقاً ما استعاذ به النبي صلى الله عليه وسلم .

الوقفة الخامسة:

من ترك الالتجاء إلى الله والاستعاذة به، ولجأ إلى غيره من الجن ونحوهم فقد وقع في أضرار عظيمة منها:

1 – أنه قد يقع في الشرك والاستعاذة بغير الله عز وجل وهو شرك أكبر مخرج من الملة، وهذا من أقبح الأمور وأشنعها .

2 - عدم حصول المأمول من دفع الشرور والتي لا يقدر عليها العبد ، وذلك أن المطلوب لا يحصل إلا إذا قدّر الله وقوعه ، فعليه من لجأ إلى الجن فلا يحصل لـه المطلوب إلا بإرادة الله سبحانه فليطلب ويستعيذ بالله مباشرة .

3 - أن في الاستعاذة بغير الله زيادة الخوف والهلع وعدم الطمأنينة والأمن ، إذ الأمن والطمأنينة لا تحصل إلا من الله عز وجل وبالعوامل التي وردت في الشرع، ومنها: قراءة القرآن ولا سيما المعوذتين وآية الكرسي والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وكذلك ذكر الله وقوة التعلق به كلها عاصمة بإذن الله من شر المخلوقات كما في حديث الباب.

4 - التخبط في الطرق المظلمة التي يتنقل فيها هذا المسكين الذي يلتجئ إلى غير الله عز وجل ، فتراه يلتجئ تارة إلى القبور والأضرحة وتارة إلى الأشجار والأحجار وتارة إلى الجن والشياطين مما يظن أنه قادر على دفع الشرعية، وقد يلتجأ أخيراً إلى الانتحار بقتل نفسه والعياذ بالله ، أو إدمان المخدرات وقد ينتهي به الأمر إلى الجنون وتخريف العقل ، ولذا نجد كثرة المنتحرين في هذا العصر من الكفار نظراً لبعدهم عن الله سبحانه . 



بحث عن بحث