الوقفة الأولي:

شرح مفردات الباب:

(الشفاعة لغة): اسم مِن شفع يشفع، إذا جعل الشيء اثنين، وهو ضد الوتر.

اصطلاحاً: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة .

(وأنذر به) : الإنذار هو الإعلام المتضمن للتخويف.

(مثقال ذرة): الذرة واحدة الذر، وهي صغار النمل، يضرب بها المثل في الصغر والقلة.

الوقفة الثانية:

ذكر المصنف –رحمه الله- هذا الباب للرد على المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والصالحين ويدعونهم ويزعمون أنهم يشفعون لهم عند الله، فبين المصنف أن هذه العبادة وهذا الزعم غير صحيح وأن هذا الدعاء وهذه الشفاعة لا تنفع عند الله. بل الذي ينفع هو عبادته وحده دون سواه أما الشفاعة الحقة الصحيحة هي ما يأذن بها الله سبحانه وتعالى.

 الوقفة الثالثة:

تقسم الشفاعة إلى قسمين :

1-   الشفاعة المثبتة: وهي التي تطلب من الله –جل وعلا- فيما لا يقدر عليه إلا الله، ولها شرطان :

أ - إذن الله للشافع أن يشفع .

ب - رضاه عن المشفوع لـه .

مثالها: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم العظمي في أهل الموقف والقصة مذكورة في الباب.

وهناك نوع من الشفاعة المثبتة تطلب من المخلوق فيما قدر عليه .

مثالها: طالب يريد دخول الجامعة ولم يقبل وهو مستحق لها فيذهب إلى مسئول في الجامعة ليشفع لـه للقبول فيها .

2-   الشفاعة المنفية: هي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.

مثالها: أن يطلب إنسان من صاحب قبر أو ضريح فيطلب منه أن يشفيه من مرضه أو يرزقه الولد .

فهذه شفاعة لا تجوز بل هي من الشرك بالله عز وجل . لأن هذا لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى .

الوقفة الرابعة:

 قال تعالى: ]وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ[الأنعام: 51]..

يخاطب الله جل وعلا رسوله صلى الله عليه وسلم  بأن ينذر بالقرآن: ]وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا (، يعني يوم الحشر وهو يوم البعث: ]لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ، من دون الله (وَلِيٌّ) الولي الناصر (وَلَا شَفِيعٌ) الشفيع هذا الذي سيتوسط لهم، فلا يحل لهم إلا خوفهم من الله وعملهم بالقرآن، فالشفاعة لا تنفع إلا من عند الله .

والآيات التي ذكرها المصنف –رحمه الله- دلت على ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن الشفاعة ملك لله –عز وجل- )قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا(.

الأمر الثاني: أن الشفاعة لا تنفع إلا بإذن الله )مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ(.

الأمر الثالث: لا تنفع الشفاعة إلا لمن رضي الله عنه]وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى[  .

الوقفة الخامسة:

أنوع الشفاعة:

1-  الشفاعة الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهي أنواع .

  1. الشفاعة العظمى في أهل الموقف وهي المقام المحمود الذي وعده الله به وتفصيل هذه الشفاعة مذكورة في الباب .
  2. شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوها .
  3. شفاعته في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب .

2-  الشفاعة العامة لـه صلى الله عليه وسلم ولجميع المؤمنين وهي أنواع:

  1. الشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها .
  2. الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها وهم العصاة من المسلمين الذين لم يستحقوا الخلود فيها .
  3. الشفاعة في رفع درجات المؤمنين  .

الوقفة السادسة:

تلخيص لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :

ذكر –رحمه الله- أولاً الشفاعة المنفية وهي طلب الشفاعة مما يتعلق به المشركون.

ثم ذكر الشفاعة العظمى لنبينا صلى الله عليه وسلم وأنها من نصيب أهل الإخلاص وهم أهل التوحيد ولا تكون لأهل الشرك .

ثم بين حقيقة الشفاعة بأنها إكرام للشافع ونفع للمشفوع لـه .

الوقفة السابعة :

مع حديث الشفاعة: أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده..." الحديث .

سميت شفاعته الشفاعة العظمى والكبرى لأنه يشفع في أهل الموقف، نعم ذلك الموقف العصيب عندما يبعث الناس من قبورهم حفاة عراة غرلاً الرجال مع النساء كل يقول: نفسي نفسي في وقت تدنو الشمس من الخلائق حتى إن بعضهم يلجمه العرق إلجاماً ، وبعضهم يصل العرق إلى ركبتيه وبعضهم إلى كعبيه .

والناس في المحشر يريدون الخلاص من هذا الموقف العظيم الذي ينتقلون بعده إما إلى الجنة وإما إلى النار، فيبحثون عن من يشفع لهم فيذهبون إلى الأنبياء فيعتذرون حتى يصلوا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم  فيطلبونها منه فيقول: أنا لها أنا لها، فيذهب ويسجد لربه ويحمده فيفتح لـه من المحامد مما لم يكن معروفاً ثم يقال لـه: "اأرفع رأسك وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع".

ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن أسعد الناس بشفاعته من قال: لا إله إلا الله ليس هكذا مجردة باللسان، وإنما يقولها خالصة من قلبه ويعمل بمقتضاها غير ناقض لها بأي من النواقض .

الوقفة الثامنة:

مما ابتلي به الناس أنهم يطلبون وسائط ويطلبون شفعاء عند الله، وقد يكون هذا المطلوب من الجمادات أحياناً أو من أناس ميتين هم بحاجة إلى من يُهدي لهم عملاً صالحاً بحاجة إلى من يرأف بهم، فكيف تطلب منهم الشفاعة ؟!

ولا شك أن مثل هؤلاء على خطر عظيم وعلى خلل كبير، فكيف يطلب الشفاعة ممن ليس لهم شفاعة عند الله، وقد بين الله في كتابه أنه لا يشفع عنده إلا بإذنه، وأن هؤلاء الشفعاء الذين أذن لهم لا يشفعون إلا لمن ارتضاه سبحانه.



بحث عن بحث