الوقفة الأولى:

شرح مفردات الباب:

(إنك لا تهدي): الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمقصود بالهداية هنا هداية التوفيق للإسلام.

(من أحببت): هدايته.

(لما حضرت أبا طالب الوفاة): أي علاماتها ومقدماتها .

(أحاجُّ): من الحاجة وهي بيان الحجة أي أشهد لك بها عند الله .

(ملة عبدالمطلب): أي دين عبدالمطلب وهو الشرك وعبادة الأصنام .

الوقفة الثانية:

ذكر المصنف –رحمه الله- هذا الباب ليبين أن أفضل الخلق وهم الرسل وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم لا يملكون شيئاً من أمر الله إلا ما منحهم إياه. فهذا يدل على أن الأنبياء لا يملكون النفع والضر، وفيه رد على الذين يعتقدون في الصالحين النفع والضر، فإذا كان أفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم لا يملك ضراً ولا نفعاً فغيره من باب أولى .

الوقفة الثالثة:

الهداية نوعان:

الأولى: هداية التوفيق والإلهام والقبول بأن ينتقل الإنسان من الكفر إلى الإسلام ومن الضلال إلى الهداية، فهذه ليست للبشر وإنما لله سبحانه وتعالى، وهي التي نفاها عن نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله: )إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(.

فالله سبحانه  هو القادر على هداية الإنسان للطريق المستقيم ويخرجه من الظلمة إلى النور، فهذه خاصة بالله سبحانه وتعالى ولا يستطيعها أحد من الخلق؛ لذلك قال سبحانه :    )وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ( .

الثانية: هداية الدلالة والبيان والإرشاد بمعنى توضيح طريق الهداية للناس وما هم عليه من الخطأ وما ينبغي أن يعملوه من الصواب فتبين الصراط المستقيم وتبين دين الله جل وعلا، فهذه جائزة في حق المخلوقين، فعليهم أن يبينوا ويرشدوا ويدلوا على الصراط والطريق المستقيم.

فهذه الهداية تكون في حق البشر وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو الذي عناه الله سبحانه بقوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .

فالعالم والداعية والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والناصح والمرشد والمعلم كل هؤلاء يهدون الناس: يعني يبينون لهم طريق الهداية وطريق الاستقامة فهذا حق يجب أن يقوموا به، أما هداية التوفيق والقبول فهي لله سبحانه وتعالى وعليه فعلى المسلم أن يسلك ما كان لـه، فيدل الناس ويرشدهم إلى الطريق المستقيم ويوضح لهم الخير، ويحذرهم من الشرك، يبين لهم ما كان واجباً عليهم، وما كان مستحباً لهم أن يعملوه، ويحذرهم مما كان محرماً عليهم ومما ينبغي أن يجتنبوه، فهذه مهمة النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده من العلماء والدعاة.

الوقفة الرابعة:

يجب أن نعلم أن أعظم الكلمات في هذه الدنيا هي شهادة التوحيد "لا إله إلا الله" فينفي الإنسان جميع المعبودات ويقر ويثبت العبادة لله سبحانه وتعالى، فلا معبود بحق إلا الله، فيجب على الإنسان أن يحيى على لا إله إلا الله ويموت على لا إله إلا الله؛ لذلك كان عليه الصلاة والسلام حريصاً أشد الحرص على أن يقول عمه أبو طالب هذه الكلمة فيقول لـه: (يا عم! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج بها عند الله) فمن مات عليها دخل الجنة .

فمن لم يقل: لا إله إلا الله وعاش بدونها لا تنفعه الأعمال الصالحة في ظاهرها، فهذا أبو طالب عمل أعمالاً عظيمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنها منطلقه من منطلق الحمية لابن أخيه فقط فلم تنفعه أعماله حينئذ، فلو كان الإنسان سخياً كريماً مقداماً دافع عن حياض الإسلام، وعن المسلمين حسن المعاشرة طيب المعاملة ولم يكن ذلك منطلقاً من (لا إله إلا الله) لن تنفعه كل هذه الأعمال، ولو أنها نفعت أحداً بغير (لا إله إلا الله) لنفعت أبا طالب، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه أهون أهل النار عذاباً يطأ جمرة في أخمص قدميه يغلي منهما دماغه، نسأل الله السلامة والعافية .

الوقفة الخامسة:

يخطئ كثير من الناس في مسألة الهداية؛ فنجد الأب يترك لأولاده الحبل على الغارب، بل يأتي لهم بعوامل ويهيئ لهم أسباباً تكون صارفة لهم عن الجادة والطريق المستقيم وإذا قيل لـه: ابنك يعمل كذا وكذا! يقول حينئذ: إن الهداية بيد الله سبحانه، فهذا قد أخطأ وجانب الصواب في فعله، فلا شك أن الهداية بيد الله سبحانه وتعالى ولكن على الإنسان أن يبذل الأسباب المعينة على الهداية فيبذل ما عليه، وهذه هي الدلالة والإرشاد والبيان كما بيّنا في وقفة سابقة، فيهيّئ لهم وسائل الخير ويحذرهم من وسائل الشر وهكذا، ولا يلجأ إلى حيلة العاجز فيقول: الهداية من الله ولم يبذل الأسباب والوسائل المعنية لذلك، فهذا أخطأ الطريق وجانب الصواب .



بحث عن بحث