الوقفة الأولى:

هذا الباب سماه المصنف –رحمه الله- بهذه التسمية قال: باب حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد ...

(الحمى) إذا جعل للشيء مانعاً يبعد من حوله فهو الحدود للشيء.

(المصطفى) من الاصطفاء وهو الاختيار والمقصود به: رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(جناب التوحيد) يعني جانب التوحيد.

وهذا الباب مفاده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً تمام الحرص على غرس هذه العقيدة في قلوب المسلمين... ومن مقتضي ذلك أنه يمنع كل وسيلة تؤثر على هذا التوحيد وتوصل إلى الشرك   .

الوقفة الثانية:

شرح مفردات الباب:

(رسولٌ من أنفسكم): هذا الرسول أرسله الله عز وجل فهو رسول من الله.

(من أنفسكم): أي من العرب منكم، ومن الناس بُعث ولم يكن من الملائكة.

(عزيز عليه): يعني شديدٌ عليه وصعب جداً .

(ما عنتم): ما يشق عليكم ويلحق الأذى بكم .

(حريصٌ عليكم): يعني شديد الرغبة عليكم في هدايتكم، والحرص: بذل الجهد المضاعف لإدراك المقصود .

(رؤوف): يعني رقيق القلب وهذا يتضمن الحلم على المرحوم.

(فإن تولوا): فإن أعرضوا .

(فقل حسبي الله): أي متوكلاً على الله معتمداً عليه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى .

(عليه توكلت): يعني عليه اعتمادي .

(وهو رب العرش العظيم): الرب هو الخالق. والعظيم: صفة لهذا العرش.

(لا تجعلوا بيوتكم قبوراً): بمعنى أنكم تهملونها فلا تعبدون الله فيها فتكون كالقبور

(ولا تجعلوا قبري عيدا): العيد هو ما يعتاد، فلا تجعلوا قبري مكاناً يعتاد مجيئه لتعبدوا الله سبحانه وتعالى عنده .

الوقفة الثالثة :

قوله عليه السلام : (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) معناه لا تجعلوها خالية من الصلاة ومن الدعاء ومن الذكر فتعطلوا هذه الأمور فتكون بمنزلة القبور؛ لأن القبور خالية من هذه العبادات، وهذا ملحظ عظيم؛ لأن البيوت يجب أن تكون عامرة بطاعة الله عز وجل من الصلاة وقراءة القرآن والأذكار والكلام الطيب، والقصص الهادفة، الأخذ والعطاء، والتشاور، والتناصح، والهدوء و الطمأنينة، يجب أن تُعمر البيوت بهذه الأمور وإلا أصبحت كالقبور. والبيوت لساكنها، والساكن هنا هم هذه الأسرة، وهذه الأسرة لهم مشارك، وهذا المشارك إما أن يكون الملائكة وصالحي الجن إن كانت هذه الأسرة من أهل الطاعات من الصلاة والدعاء والقرآن والذكر والعلم المنافع وغير ذلك، فتشاركهم الملائكة يطمئنونهم ويؤمّنونهم ويدعون لهم ويشاركونهم في عباداتهم فتنزل السكينة والطمأنينة على هذا البيت وعلى أهله..

وإما أن تكون هذه البيوت خالية من هذه الأمور وربما تكون مهدومة بأمور معنوية، كأن تكون مملوءة بمزامير وملاهي وتماثيل معلقة، فحينئذٍ تشاركهم الشياطين، ومن ثم هذه الشياطين تؤز من في البيت أزا... فالقلق وعدم الارتياح في هذه البيت سائد والصراخ والمنازعة والمخاصمة، والرسول صلى الله عليه وسلم هنا يؤكد هذا المعنى العظيم بهذه الجملة القصيرة قال : (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) كالقبور فاملؤوها بالطاعات .

الوقفة الرابعة:

حديث علي بن الحسين رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخل فيها، فيدعو، فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليّ، فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم). رواه في (المختارة) ، يعني هذا الحديث رواه الضياء المقدسي في المختارة.

فَرُوي هذا الحديث عن علي بن الحسين، رضي الله عنه عن علي بن أبي طالب yأنه رأى رجلاً كان يجيء عند فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يعني محلاً للجلوس، فعلي بن الحسين رضي الله عنه لم يبعد عن عهد النبوة فجده علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجده عن طريق أمه رسول الله صلى الله عليه وسلم  فوجد هذه الفرجة في الجدار ليجلس فيها، فنهاه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب y، عن أن يجلس في هذا المكان لأن هذا وسيلة إلى الشرك، ثم روى هذا الحديث الذي سمعه عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم) وهذا تأكيد لما ذكره النص السابق في الحديث السابق من النهي أن يتخذ القبر عيداً يعني مكاناً للاعتياد، ولا أن تخلو البيوت من ذكر الله عز وجل فتكون كالقبور موحشة، وأيضاً أكد أنه عليه الصلاة والسلام أينما كان الإنسان وحيثما حل وارتحل تبلغه الصلاة والسلام عليه .

الوقفة الخامسة:

قد يقول قائل: إن هذه الصفات الواردة في الآية لرسول الله صلى الله عليه وسلم من صفات الله عز وجل، فهل صفات المخلوق مثل صفات الخالق أو صفات الخالق مثل صفات المخلوق؟!

والجواب معلوم وهو أن لله سبحانه وتعالى صفات وأسماء تختلف عن أسماء وصفات المخلوقين وقد يشترك في الاسم لكن المعنى يختلف، فالله سبحانه وتعالى سمَّى نفسه بأسماء ووصف نفسه بصفات وسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء ووصفه بصفات فنحن نؤمن بها كما جاءت مع معرفة ما تحتوي عليه من المعاني، لكن لا نكيّفها، بمعنى لا نقول: صفة الله مثل صفة خلقه، فلا نقول: الله رحيم وفلان رحيم ورحمة الله مثل رحمة فلان، لا، وإنما نقول: إنما هذا من صفات الله التي تليق بجلاله وعظمته جل وعلا ولا تشبه صفات المخلوقين، ولا أيضاً نعطل المعنى ولا نأوّلها ولا نكيفها فيه، كما قال الإمام مالك –رحمه الله- لما سُئل عن الاستواء قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة .

الوقفة السادسة :

زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إليه، فلا يسافر المسلم من أجل أنه يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلماذا هذا المنع ؟

والجواب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ويقول في الحديث الآخر: (فإن تسليمكم علي يبلغني حيث كنتم). فلا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، أما خلافها فلا تشد الرحال من أجلها، لكن إذا زار المسلم مسجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم سنّ لـه أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه، فلا شك أنه من الجفاء أن يدخل المسلم المدينة المنورة ثم يدخل المسجد النبوي ولا يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يزور قبره، وأيضاً من الأشياء التي ينبه عليها هنا في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن بعض المسلمين جهلاً منهم أو تجاهلاً أو تقليداً يغالون في هذا الأمر، فمنهم مثلاً من يتجه إلى القبر ويصلي إليه وهذا إذا لم يتجه إلى القبلة فصلاته غير صحيحة، وإما أن يتجه إلى القبر ويرفع يديه ويدعو وربما أنه قد يستدبر القبلة، وهذا أيضاً غير مشروع، فمن السنة  في حال الدعاء استقبال القبلة .

ومنهم من يتوسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلمقد مات. وكل هذا مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق بيانه.

الوقفة السابعة :

إن لم تجعل قبر النبي صلى الله عليه وسلم عيداً فكيف تسلم عليه؟ وكيف نصلي عليه؟ وهل نصلي عليه ونحن في أقاصي الدنيا.

نعم فقد قال صلى الله عليه وسلم : (وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) يعني في أي مكان وفي أي زمان يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وتصله هذه الصلاة وتبلغه عليه الصلاة والسلام، فلا يلزم من الصلاة عليه أن يسافر الإنسان إلى قبره صلوات الله وسلامه عليه، وإنما يصلي عليه وهو في بيته وهو في مكانه وفي بلده وفي أي بقعة كان وفي أي زمان كان فالصلاة تبلغ النبي صلى الله عليه وسلم . كما قال:(لا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ولا شك أن هذا من فضل الله سبحانه إذ لم تكلف هذه الأمة إلا بما تطيق.

الوقفة الثامنة :

من أهم حقوق النبي صلى الله عليه وسلم :

1-   الإيمان به عليه الصلاة والسلام وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن يصدق فيما أخبر، وألا يعبد الله إلا بما شرع .

2-   محبته محبة تفوق كل محبة من محاب الدنيا، فهي في المنزلة بعد محبة الله عز وجل، فيجب أن تكون هذه المحبة أحب من أنفسنا وأحب من والدينا وأولادنا بل من الدنيا كلها، ومقتضى هذه المحبة طاعته في أوامره واجتناب نواهيه .

3-   نشر سنته والدفاع عنها بل الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم ؛ فنشر سنته وتعليمها للناس بأي وسيله من وسائل النشر تعليماً مباشراً بالكتابة من التأليف وغيره ومشافهة بالخطابة والدروس والمحاضرات وغير ذلك .

4-   كثرة الصلاة والسلام عليه فإن الصلاة والسلام عليه باب من الأبواب التي تشفع يوم القيامة لصاحبها بأن يكون من أصحابه ومن المقربين منه، وكما أن الصلاة عليه من الأذكار المشروعة وباب من أبواب الرزق للإنسان .

الوقفة التاسعة :

الزيارة المشروعة للقبور تهدف إلى أمرين :

الأمر الأول: هو الدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار لـه بأن يدعو الله سبحانه وتعالى بأن يغفر لهذا الميت ويرحمه ويتجاوز عن سيئاته.

الأمر الثاني: هو الاعتبار والتفكر بأحوال الموتى، لعل الإنسان أن يرجع عن بعض أخطائه وزلاته، ويتذكر الموت والآخرة، ويتذكر ما سيلاقيه عند الله سبحانه وتعالى . فيصحح أوضاعه ويقوي إيمانه ويكثر من طاعة ربه . 



بحث عن بحث