الوقفة الأولى :

شرح مفردات الباب:

(العيافة): مصدر عاف يعيف عيافة وهي زجر الطير للتشاؤم أو التفاؤل، حيث كانوا يتشاءمون من الطير بأسمائها وأنواعها وأصواتها .

(الطرق) : هو الخط يخط في الأرض، يخطه الساحر أو الدجال فيظن المقابل أنه بهذه الخطوط يعلم من خلالها الغيب .

(الطيرة): على وزن فِعَلَة وفيه التشاؤم بمرئي أو مسموع، وقيل التشاؤم بمعلوم مرئياً كان أو مسموعاً زماناً كان أو مكاناً، وهذا تعريف شامل.

(الجبت): كما قال الحسن : رنة الشيطان، وهذا جزء من الجبت، فيدخل فيه كل صوت من أصوات الشياطين، ويدخل فيها الملاهي وغيرها .

(اقتبس) : تعلم .

(شعبة): طائفة.

(من النجوم): يسمى التعامل بهذا بالتنجيم وهو: الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية .

(ثم نفث فيها): النفث : النفخ بريق خفيف، والمراد هنا النفث من أجل السحر.

(العَضْهُ): على وزن الحبل والوعد وهي القطع .

وأما على رواية العِضة على وزن عِدة فهي التفريق .

(النميمة): على وزن فعيلة، وهي نقل الحديث بين الناس على وجه الإفساد .

(القالة): كثرة القول بين الناس.

(البيان): الفصاحة والبلاغة .

الوقفة الثانية:

لما ذكر المصنف - رحمه الله - السحر وأنه ناقض من نواقض التوحيد قد ينقض أصله وقد ينقض كماله ، فأراد أن يبين هنا أن السحر أنواع كثيرة حتى لا يغتر شخص من الناس بهؤلاء السحرة إذا سمّوا أنفسهم بأسماء أخرى - كما سيأتي في هذا الباب - والحقيقة أن تعاملهم هذا هو نوع من السحر وأنهم سحرة يجب الحذر منهم .

الوقفة الثالثة:

ما وجه كون العيافة والطرق والطيرة والتنجيم والنميمة والبيان من السحر؟

الجواب على ذلك :

أن العيافة : كونها من السحر لأن الإنسان يستند فيها إلى أمر لا حقيقة لـه، فكون الطير يذهب يميناً أو شمالاً أو غير ذلك فلا أصل لـه وليس بسبب شرعي ولا حسي، فإذا اعتمد عليه فقد اعتمد على أمر خفي لا حقيقة لـه، وهذا سحر بالمعنى اللغوي.

والطيرة : لأنها مثل العيافة تستند على أمر خفي لا حقيقة لـه .

والطرق:  من السحر لأنهم يستعملونه في السحر ويتوصلون به إليه.

والتنجيم : أيضاً لأنها تستند على أمر خفي لا حقيقة لـه .

والنميمة : أشبهت السحر من جهة الإفساد، فنقل الحديث بين الناس سواءً كان صدقاً أو كذباً على وجه الإفساد فإنه بذلك يفرق بينهم ويجعلهم أحزاباً، سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أم الجماعات .

والبيان : كونه يشبه السحر وذلك لأنه يأخذ بلب السمع فيصرفه أو يعطفه، فيظن السامع أن الباطل حق لقوة تأثير المتكلم فينصرف إليه، فهو من جنس السحر الذي يسمى عطفاً وصرفاً.

الوقفة الرابعة:

مع حديث أبي هريرة : (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر) الحديث. في هذا بيان كيفية عمل الساحر والتحذير من ذلك .

والساحر يقوم بعقد عقد والنفث فيها ، ويتعامل مع الشياطين برموز، ثم بين صلى الله عليه وسلم أن (من تعلق شيئاً وكل إليه) فمن تعلق بغير الله فقد يجره هذا العمل إلى الشرك بالله لأن فيه اعتماداً على غير الله، والناس قد يقعون في هذا من غير أن يشعروا، فتجد المريض قد يذهب إلى الطبيب لطلب العلاج لكنه يعتقد أن هذا الطبيب يشفي، ثم يبحث عن واسطة لهذا الطبيب وكأن الطبيب إذا جاء من يعرفه أعطاه الشفاء، ولا يدري هذا المسكين أن الطبيب إنما هو سبب إن شاء الله جعل على يديه الشفاء وإلا فقد يصف الدواء بحسب خبرته، ولكن هذا الدواء لا يعالج الداء فلا يُشفى المريض، ولذا فُرّق بين الدواء والشفاء لأن الدواء قد يصيب موضع الداء فيشفى المريض وقد لا يصيبه فلا يشفى ولهذا سمي دواء، فمن توكل على الله حق التوكل تحقق لـه الشفاء سواء بواسطة هذا الدواء أو غيره كالقرآن ، ومن هنا يتبين لنا أهمية التوكل على الله وأن من توكل عليه كفاه .

الوقفة الخامسة :

أضرار النميمة وكيف السبيل لتركها؟ فمن أضرارها :

1 - إفساد الود والمحبة والأخوة بين الناس .

2 - انتشار سوء الظن بين الناس .

3 - التقول على الإنسان بما لم يقله، وهذا جمع بين جريمتين النميمة والكذب وكلاهما ذنبان كبيران.

4 - دخول الشيطان بين الناس، وإذا دخل عليهم الشيطان أفسد عليهم عباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم وسلوكهم .

5 - والنميمة سبب في عذاب القبر ، كما صح في الحديث.

أما السبيل إلى تركها :

أ - بالنسبة إلى من وقع فيها :

1 - تعظيم الخوف من الله واستشعار عظمة العقوبة في ذلك .

2 - أن يتذكر أن أمره سيكشف إما عاجلاً أو آجلاً .

3 - أن يتذكر أن النميمة من الذنوب المتعدي ضررها إلى الغير فهي أعظم إثماً من غيرها وعقوبتها مضاعفة، ولهذا جعلها النبي  صلى الله عليه وسلم من العضه وهي القطع والبُهت.

4 - يتذكر قول الله تعالى : ]مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[  .

5 - أن يشغل وقته بذكر الله وأن يشغل مجلسه في ما هو مفيد أو على الأقل فيما لا إثم فيه .

ب - بالنسبة إلى المستمع لها :

أن ينصح النمام أو المغتاب بالوسيلة الأنسب، فإن لم يستجب المتحدث فليشغل نفسه عن سماعه لـه بالتحدث لشخص آخر، فإن لم يستطع أن يتشاغل عنه فليخرج عن هذا المجلس، فإن لم يستطع الخروج شغل وقته بذكر الله .

الوقفة السادسة :

ليس كل البيان مذموماً فالهدي النبوي يشير إلى أن الكلام بحسب بلاغته يؤثر على المستمع سلباً أو إيجاباً ، فإن كان الكلام جيداً صار أثره إيجابياً وإن كان سيئاً صار أثره سلبياً . وهذا قال صلى الله عليه وسلم : (إن من البيان لسحرا ) .

الوقفة السابعة :

إذا ضعف الإيمان والتوكل على الله عند العبد فإنه سيتبع أي سبيل يبعث عنده روح الإرادة والقوة في نفسه، ولهذا تجد الكثير يريد أن يعرف مستقبله القريب أو البعيد، سواء كان ذلك عن طريق العيافة أو الطرق أو الطيرة أو الاستدلال بالنجوم لمعرفة ما ينتظره في المستقبل، كل هذا يدل على ضعف اليقين وضعف التوكل، فليتنبه المسلم إلى ذلك، ويقوي توكله على الله تعالى وارتباطه به، فلا يلجأ إلى تلك الوسائل الضعيفة ، فترديه المهالك في الدنيا والآخرة . 



بحث عن بحث