الوقفة الأولى :

شرح مفردات الباب:

(الاستسقاء) : هو طلب السقيا والغيث .

(الأنواء) جمع نوء وهو النجم، والمقصود به طلب السقيا من النجوم .

قال تعالى: ]وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ[  قال أهل العلم : تجعلون نصيبكم من شكر نعم الله بإنزال المطر فتكذبون بحيث تنسبون النعم إلى غير الله من النجوم والكواكب .

(أربع): ليس للحصر لأن هناك أشياء تشاركها في المعنى.

(الجاهلية) نسبة إلى الجهل والجاهلية إذا أُطلقت بأل تنسب إلى ما كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ويوصف بها من فعل شيئاً من أفعالهم كما قال صلى الله عليه وسلملأبي ذر : (إنك امرؤ فيك جاهلية)   .

(الفخر بالأحساب) : أي الفخر بالآباء والأجداد بأفعالهم وأحوالهم .

(الطعن في الأنساب): المراد السب إما بعيب أو تنقيص أو قدح في الأنساب .

(النياحة) هي : رفع الصوت بتعديد محاسن الميت .

(النائحة إذا لم تتب): لأن أكثر ما تصدر النياحة من النساء .

(السربال من القطران): هو الثوب من النحاس المذاب .

(الدرع): هو الثوب المنسوج من الحديد .

(الجرب): مرض جلدي معروف يظهر على الإبل خاصة .

(صلى لنا) : أي صلى بنا .

(بمواقع النجوم): أي مطالعها .

الوقفة الثانية :

بعد أن بين المصنف - رحمه الله - في الباب السابق ما يتعلق بالتنجيم من ادعاء علم الغيب وعرفنا ما يتعلق بذلك من أنه منافٍ للتوحيد، بين المصنف - رحمه الله - أن من طلب السقيا من النجوم من دون الله فقد جانب التوحيد أيضاً على تفصيل سيأتي ذكره إن شاء الله. وبهذا يتبين مناسبة الباب لكتاب التوحيد .

الوقفة الثالثة :

       ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عدداً من صفات الجاهلية في حديث أبي مالك وهي:

الصفة الأولى: الفخر بالأحساب كما سبق معنا هو التفاخر بالآباء والأجداد، ولاشك أن هذا من عمل الجاهلية، وهذه الصفة موجودة، فالناس حين يضعف ارتباطهم بربهم فإنهم يرتبطون بذكريات الآباء والأجداد، فتصل هذه الذكريات إلى أن تكون محل التفاخر بينهم ، وتجد أحياناً هذا الشخص ليس لـه اعتبار عند الناس لا في فعله ولا في قولـه ولا في سلوكه ولا في تعامله معهم فيتعلق بهذه الأنساب ويفخر ، نعم إذا كان يفخر بفعل أحد آبائه وكان يعمل بهذه الميزة التي اشتهروا بفعلها فلا بأس دون أن تأثر على واجباته الشرعية..

ويقابل هذه الصفة الصفة الثانية وهي: صفة الطعن في الأنساب، فمن المعلوم أن الإنسان لا صناعة لـه في نسبه من حيث وجوده وعدمه، فالإنسان يُخلَقْ وينسب لأبيه وجده، فيأتي شخص ويقدح ويتنقص بهذا الرجل لأجل نسبه، فما الذي فعله حتى يقدح فيه ويسب؟

وعلى مدار التاريخ كم من الذين قيل في أنسابهم ما قيل وكانوا محلاً لفخر هذه الأمة إما بالنصر العام أو العلم الشرعي أو مكارم الأخلاق وغير ذلك مما يفخر به .

الصفة الثالثة : الاستسقاء بالنجوم وهي موضوعنا وسيأتي الكلام فيه .

الصفة الرابعة: النياحة: وهي تدل على الاعتراض على أقدار الله، ومعلوم أن سنة الله في خلقه: ]إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ[  و]كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ[   فالحزن والبكاء على الميت لا بأس به في حدود المعقول، والذي لا يصل الأمر إلى مثل هذه الأفعال، ثم على من وقع في مثل هذا الفعل وزاد عليه الحزن أن يعلم أن حزنه لن يرجع لـه ميته، فعليه بالصبر والتحلي به، فقد مات خير الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم .

وهذا الحديث يدل على أن ما ورد فيه من الكبائر لا تخرج من الملة إلا الاستسقاء بالنجوم على التفصيل الآتي:

الوقفة الرابعة :

في حديث زيد ذكر القصة التي وقعت في الحديبية، وكانت سنة ست من الهجرة، وكانوا محرمين بالعمرة، فذات يوم نزل في الليلة التي قبلها مطر، فلما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر قول الله عز وجل في من شكره بعد هذا المطر ومن كفر به، فمن نسب المطر لله فهو مؤمن به، ومن نسبه للكوكب فهو كافر بالله . والكفر المذكور في الحديث هو الكفر الأصغر .

والواجب على المسلم إذا نزل المطر أن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته أو يقول: اللهم صيباً نافعاً.

وفي حديث ابن عباس لما نزل المطر نسبه بعضهم إلى رحمة الله ونسبه بعضهم إلى النجم فكأنه جعل النوء هو الذي أنزل المطر أو بسببه نزل ، وهذا شرك أصغر أو أكبر بحسب قصد قائله .

الوقفة الخامسة :

ما حكم الاستسقاء بالنجوم؟  الجواب أن نقول فيه تفصيل.

1 – إذا اعتقد المسلم بأن النجوم هي التي تسقي ودعاها من دون الله فهذا بلا شك شرك في الألوهية والعبادة .

وإذا اعتقد أن حصول الأمطار والأرزاق يعود إلى هذه النجوم فهي الفاعلة من دون الله فهو شرك في الربوبية . وكلاهما شرك أكبر .

2 – أما إذا اعتقد أن الله هو الذي ينزل المطر ولكن النجوم سبب بذاتها فهذا شرك أصغر قد يؤدي إلى الشرك الأكبر.

فالواجب الابتعاد عن هذا وأن ينسب المطر إلى الله، وأنه هو المقدر وأنه هو الذي إذا شاء أنزل المطر وإذا لم يشأ لم ينزله، وإذا كان مما جرت العادة به كوناً وقدراً مثل: إذا طلع النجم الفلاني فيزرع زرع كذا ونحو هذا، فالمحذور هنا أن لا يعلق الأمر على هذا الشيء ويجعله هو الفاعل وإنما نزول المطر هو سبب في إنبات الزرع فلا يُعلقه على هذا الفعل وإنما يعلقه بالله سبحانه . 



بحث عن بحث