الوقفة الأولى :

شرح مفردات الباب:

(يزعمون) : يدعون الإيمان بذلك وهم كاذبون .

(الطاغوت): كل ما تجاوز العبد به حده من متبوع أو معبود أو مطاع ، والمراد به هنا كعب الأشرف .

(يصدون عنك صدودا) : يعرضون عنك إعراضاً .

(لا تفسدوا في الأرض): يتضمن الفساد الحسي من هدم البيوت وغيرها ويتضمن الفساد المعنوي، وذلك بالمعاصي وهذا من أكبر الفساد .

(بعد إصلاحها): ببعث الأنبياء وشرع الأحكام وعمل الطاعات.

(الجاهلية) : نسبة إلى الجهل وكل ما خالف الإسلام فهو جاهلية .

(يبغون) : يطلبون .

(لا يؤمن أحدكم) : أي إيماناً كاملاً، إلا إذا كان لا يعمد الذب عن النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية فإنه ينتفي عنه الإيمان بالكلية .

(هواه) : ما يهواه وتحبه نفسه .

(الرشوة) : ما يعطى لمن يتولى شيئاً من أمور الناس ليحيف مع المعطي ومن ذلك ما يعطيه أحد الخصمين للقاضي ليحكم لـه .

الوقفة الثانية:

صدر المصنف - رحمه الله - هذا الباب بهذه الآية إشارة منه إلى التحذير من التحاكم لغير الله سبحانه وتعالى ، وصلته بالذي قبله أن الباب الذي قبله هو تحريم طاعة غير الله سبحانه، فلا يجوز طاعة غير الله في معصية الله سبحانه، فإذا تعارضت الطاعتان قدمت طاعة الله سبحانه، وهنا التحذير الشديد من التحاكم إلى غير الله سبحانه، وأن هذا التحاكم من صفات المنافقين، وقد ذكر المصنف في آخر الباب سبب نزول الآية من اختصام رجل من المنافقين ورجل من اليهود، فالمنافق يريد أن يتحاكم إلى اليهود واليهودي يريد أن يتحاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلملأنه يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم متصف بالعدل ولا يأخذ الرشوة ليغير حكم الله سبحانه أما المنافق يريد حكم اليهود لأنهم يمكنهم أن يلبسوا الحق بالباطل والباطل بالحق، فلذلك أنزل الله سبحانه، هذه الآية:]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ...[ فهنا استفهام إنكاري، ينكر الله سبحانه على من يفعل هذا الفعل ]يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ[ وسبق معنى الطاغوت ، والآمر هو الله سبحانه؛ لأن مصدر الأمر والنهي هو الله سبحانه وقد أمرنا سبحانه بالكفر بالطاغوت، فلا نعبد إلا الله ونكفر بما سواه .

وقال سبحانه: ]وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً[ والضلال هو البعد عن الحق وهو ضد الحق.

]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً[ فيعرضون ولا يريدون حكم الله ولا حكم رسوله ويعرضون إعراضاً شديداً .

ثم قال سبحانه : ]فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً[ فالآية هنا تذم من عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سواه وقد سماه الله هنا الطاغوت .

ثم ذكر المؤلف بعدها قولـه تعالى : ]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ[ وقوله : ]وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا[ وهذا توجيه من الله سبحانه بأن الإفساد في الأرض معصية من المعاصي التي يُعصَى الله بها، ومن عصى الله سبحانه بأي معصية فقد أفسد في الأرض ولم يقم بأي إصلاح؛ لأن الإصلاح لا يتم إلا بطاعة الله. وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعني هذا أن التحاكم إلى غير الله أو الرضا بحكم غير الله من الإفساد في الأرض .

وأما قولـه تعالى: ]أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ[ فهذا استفهام إنكاري بمعنى أن لا حكم أحسن من حكم الله، وهذا فيه التحذير الصريح من حكم الجاهلية، وقد سبق معنى الجاهلية.

الوقفة الثالثة:

إذا علمنا أن التحاكم إلى غير الكتاب والسنة من أعظم الذنوب وهو من صفات المنافقين، فهل هو مخرج من الإسلام إلى الكفر؟

فيه تفصيل:

إن كان يعتقد أن حكم غير الله أفضل من حكم الله أو مساوٍ لحكم الله فهذا بلا شك كفر يخرج من الإسلام، أما إن كان لهوى في قلبه أو لغلبة شهوة أو خوف من عقاب مع اعتقاد قلبه أن حكم الله أفضل من حكم غيره فهذا على خطر عظيم، ولكن لا يخرج من الإسلام إلى الكفر .

الوقفة الرابعة:

نرى ضعف كثير من المسلمين وتساهلهم في تحكيم شرع الله ويظنون أن الأمر يسير، والأمر عظيم والعياذ بالله، فيتنبه لهذا الأمر الخطير ، وهو في المجتمعات المسلمة كثير كالذي يرضى بالسفور، ويرضى بالاختلاط بين الرجال والنساء، والذي يريد إشاعة المنكرات العامة ، والذي يريد أن يلبس على الناس الباطل ويظهره مظهر الحق، أو الذي يريد التحاكم إلى غير المحاكم الشرعية ونحو ذلك، هذا كله من صفات المنافقين ، وفيه تلبيس على الناس بإظهار الباطل مظهر الحق وقد ارتكب جرائم عدة فيتنبه لهذا الأمر الخطير، وقانا الله ومجتمعات المسلمين شر ذلك . 



بحث عن بحث