الوقفة الأولى:

هناك جملة قواعد وأسس في باب أسماء الله تعالى ينبغي لمسلم معرفتها واستحضارها، ومن هذه القواعد ما يلي :

1-   أن لله سبحانه وتعالى أسماءً سمى بها نفسه أو سماه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأسماء توقيفية بمعنى أن ليس لنا أن نخترع ونحدث اسماًَ لله سبحانه وتعالى لم يرد في الشرع، بل المرجع هو القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال تعالى: ]قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ[ .

2-   أن أسماء الله تبارك وتعالى في أعلى درجات الحسن، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: ]وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[ .

3-   أن أسماء الله سبحانه بعضها معلوم لدينا والبعض الآخر مجهول، ولذلك جاء في حديث ابن مسعود مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك...) .

وأما قولـه النبي صلى الله عليه وسلم (إن لله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة) ، فليس المقصود حصر أسماء الله سبحانه وتعالى في تسعة وتسعين اسماً فقط، بل فيه إثبات التسعة والتسعين اسماً لله ولا ينفي غير هذا العدد، بل هي أزيد كما في حديث ابن مسعود، والظاهر من قولـه صلى الله عليه وسلم : (من أحصاها) أنه ليس المراد من عدّها بل المراد من عمل بدلالة هذه الأسماء ودعا الله بها، مثل اسم: الغفور، فنقول يا غفور اغفر لي، ثم تعمل بمقتضى هذا الاسم، فتعمل ما يقتضي رحمة الله سبحانه من الأعمال الصالحة، وتترك ما ينافي الرحمة من الشرك والمعاصي.

4-   أن أسماء الله سبحانه وتعالى دالة على ذاته وهي دالة أيضاً على صفاته جلّ وعز، فالله سبحانه اسمه الرحمن وهو متصف بالرحمة، وأما المخلوق فاسمه يدل على ذاته فقط، فنقول مثلاً؛ فلان اسمه صالح لكن قد يكون غير صالح، فلا يدل الاسم للمخلوقين على الصفة  .

الوقفة الثانية :

حديث أبي شريح الذي أورده المصنف يحمل جملة فوائد من أهمها :

1-  أنه لا يجوز التسمي بالحكم، ولا باسم من أسماء الله سبحانه الأخرى، وإذا سمي الإنسان به فيجب تغييره .

2-   أن المراد بالحكم المستحق بأن يكون حاكماً على العباد، فلأجل ذلك غيره النبي صلى الله عليه وسلم ، فالله هو الحكم .

3-   حسن الإنكار والدعوة، والتغيير، فالنبي صلى الله عليه وسلم  لم يعنفه بل لاطفه بقوله: (ما أحسن هذا؟) أي الإصلاح بين الناس، ثم بدأ بالاشتراك معه لإعطاء البديل والمخرج لهذه القضية فقال صلى الله عليه وسلم لـه: (فما لك من الولد؟) ولم يقل صلى الله عليه وسلم : من أكبر أولادك؟ لأن الإنسان حينما يُسأل عن أولاده ويعددهم غالباً ما ينشرح صدره وتنبسط أساريره، ثم يسهل تغيير المنكر، وفي ذلك درس للآباء والأمهات والدعاة والمربين والمسؤولين في حسن التعامل مع الغلط والجهل ، قال تعالى: ]وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك[، وقال سبحانه لموسى وهارون في أمر دعوتهما لفرعون الطاغية: ]فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى[، وبلا شك أن الله سبحانه علم أن فرعون لن يؤمن، ولكن ليعلم الدعاة أن هذا هو طريق الدعوة . وقال سبحانه في الآية الأخرى: ]ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[، وهنا نلاحظ كلمة (أحسن) وهي من صيغ التفضيل، وهي تعني أعلى درجات الحسن.

بل إنه صلى الله عليه وسلم أمر أمراً عاماً بحسن الخُلق مع الناس حتى في غير أمور الدعوة فقال: (وخالق الناس بخلق حسن) .

وندب إلى الإصلاح بين الناس، ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على صنيعه وشجعه عليه، وجاء في قولـه تعالى: ]لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ[.

الأولى أن يكنى الإنسان باسم الأكبر من أبنائه فهو الأقدم، وقد كان لأبي شريح ابن أصغر اسمه (عبدالله) وكما هو معلوم أنه أحب الأسماء إلى الله مع عبدالرحمن.

الوقفة الثالثة :

حكم الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: حكم كوني قدري، وهذا لا أحد من المخلوقين يستطيع رده، فلا أحد يرد المطر ولا يجلبه إذا منعه الله سبحانه، والله سبحانه حكم باختلاف الليل والنهار وتقلبهما، وحكمه أيضاً سبحانه بموت شخص لا راد لـه، فهو حكم كوني قدري، كما جاء قول الله تعالى حكاية عن ابن يعقوب: ]فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ[ .

القسم الثاني: وهو الحكم الشرعي، وينقسم الناس فيه إلى قسمين: مؤمن وكافر، فالمؤمن ينفذ حكم الله ويرضى به: والكافر من يرد حكم الله سبحانه ولا يعترف به أو يقول: إن حكم غير الله مساوٍ لحكم الله عز وجل، فلو فرضنا أن شخصاً قال: إن الزنا أو الربا أو الخمر حلال، فهذا رد حكم الله فإن جحده فقد كفر، ولهذا قال سبحانه وتعالى:   ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ .

الوقفة الرابعة:

لا شك أنه يشكل على بعض الناس حكم تصغير اسم الله، فمثلاً: عبدالرحمن هل يجوز أن تصغيره إلى رحومي ؟ أو عبدالجيد إلى مجودي ؟ ونحو ذلك مما يفعله كثير من الناس.

الجواب: أن هذا لا يجوز، لأن التصغير توجه إلى اسم الله سبحانه وتعالى، ولكن ما درج عليه بعض الناس من تسمية عبدالله بعبود أو عبودي فهذا يتجه للعبودية فلا شيء فيه، ولذا لا بأس بتصغير بعض الأسماء التي ليس بها اسم الله مثل تصغير محمد إلى حميد أو محيميد وذلك من باب التمليح .

ومما ينبغي التنبه لـه أنه ينبغي للوالد أن يختار لولده من الأسماء أحسنها، لأنه عَلَمٌ عليه وسينادى به في الدنيا والآخرة، وإن سمي باسم غير حسن فينبغي أن يغيره كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم .



بحث عن بحث