الوقفة الأولى:
شرح مفردات الباب:
(من الأمر) : أي من التصرف ولو كانت الولاية بأيدينا .
(لإخوانهم) : أي إخوانهم في النسب لا في الدين.
(الحرص) : بذل الجهد لنيل ما ينفع من أمر الدنيا والدين .
(الاستعانة): طلب العون بلسان المقال؛ كالدعاء اللهم أعني اللهم يسر لي ، أو بلسان الحال؛ كأن تشعر بقلبك أنك محتاج إلى ربك أن يعينك على أمر معين.
(ولا تعجز): المراد التكاسل وعدم الحزم والعزيمة، فلا تعجز باختيارك .
الوقفة الثانية:
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أنه لما كان من معاني كلمة "لو" الاعتراض على القدر كان في ذلك قدح في التوحيد، فمن اعترض على القدر لم يرض بالله رباً ، ومن لم يرض بالله رباً لم يحقق توحيد الربوبية .
الوقفة الثالثة :
مع قولـه تعالى: ]يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا[ وقوله: ]الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا[ الآية .
لقد نزلت هاتان الآيتان في قصة المنافقين يوم أحد .
فالآية الأولى: في الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لا تخرج من المدينة قاتلهم في داخلها، وأشار غيرهم بالخروج إلى مقاتلة المشركين خارج المدينة، ثم لما وقع ما وقع من القتلى قال المنافقون: لو كان لنا من الأمر شيء ، أي لو كان لنا شيء من التصرف أو الولاية لما قتل إخواننا.
رد الله على مقالتهم بقوله تعالى: ]قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ[ أي إن هذا أمر مكتوب ومقدر فلا يجوز الاعتراض على قدر الله .
والآية الثانية: بينت مقالة المنافقين: لو أنهم لم يخرجوا ما قتلوا فرد الله عليهم بقوله : ]قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[ أي ادفعوا عن أنفسكم الموت فإنهم قتلوا بآجالهم وأنتم سيأتيكم أجلكم .
الوقفة الرابعة :
مع حديث الباب :
قال صلى الله عليه وسلم : (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا، لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) .
احتوى الحديث على عدة فوائد هي :
1 - أن الإنسان في هذه الدنيا يحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه بشرط أن يكون ما ينتفع به في دنياه متناسقاً مع الشرع وإلا فلا نفع فيه.
2 - التحذير من العجز لأنه منافٍ لما ينفع الإنسان .
3 - الحث على الاستعانة بالله؛ لأن الحرص قد لا يؤدي إلى نتيجة فهو سبب فلابد من التوكل والاستعانة بالله - عز وجل -؛ فإنه لا مدبر ولا رازق ولا شافي إلا الله، فلا حول ولا قوة إلا به .
4 - الموقف الصحيح عند حصول المصيبة:عدم الجزع ، واعلم أن ما أصابك إنما هو رفعة لدرجاتك وحط عن سيئاتك ، وأن المقادير قد كتبت قبل خلق الخليقة، فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فلا تعترض على قدر الله بل قل : قدر الله وما شاء فعل.
5 - قولـه "فإن لو تفتح عمل الشيطان" لما فيها من الاعتراض على القدر، ولما تسببه من أضرار لقائلها وذلك من عدة وجوه.
1 ) أن اعتراضك على ما حصل اعتراض على قدر الله .
2 ) أنها من باب التحسر والندم وهو لا يفيد .
3 ) يعود هذا التحسر على نفسية المصاب بالاكتئاب والقلق والقنوط ويفتح باباً للشيطان.
4 ) يسد قائلها على نفسه أبواباً من الخير عظيمة .
الوقفة الخامسة :
استعمالات "لو" :
1 - تستعمل في الاعتراض على الشرع، وحكمه محرم؛ مثال قولـه تعالى: ]لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا[ .
2 - تستعمل في الاعتراض على القدر، وحكمه محرم؛ مثال قولـه تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا[ .
3 - تستعمل للندم والتحسر، وحكمه محرم؛ مثاله حديث الباب .
4 - تستعمل في الاحتجاج بالقدر على المعصية؛ كقول المشركين : ]لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا[ وحكمه باطل .
5 - تستعمل في التمني، وحكمه بحسب المتمني؛ إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشر .
6 - تستعمل في الخبر المحض، وهذا جائز مثال: قولـه صلى الله عليه وسلم : (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم) .