الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تعلو المكرمات، وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد أفضل الخلق والبريات، وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطاهرات، والتابعين ومن تبعهم على نهج الهدى، إلى يوم تبعث البريات، وبعد:

فقد تمت هذه القواعد بحسب ما يسّر الله سبحانه وتعالى، وقد يكون من المناسب في هذه الخاتمة أن يذكر تلخيص يكوّن من خلاله منهج للدعوة، يستطيع الداعية الحصيف أن يجعله معالم يستنير بها في مراحل دعوته، ولذا، سأجعل هذه الخاتمة في ضوء الفقرات الآتية:

أولاً: إن الدعوة إلى الله جل وعلا من أشرف المقامات وأفضل الأعمال كما دلّ على ذلك النصوص القرآنية والنبوية، مما يحفز المسلم إلى أن ينضم في صفوف الدعاة على هدى وبصيرة.

ثانيًا: إن من أهم عناصر نجاح الدعوة والداعية أن يهتدي الداعية والدعوة بهدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يستن بسنته، ويستنير بنوره، وهذا ما دل عليه قوله تعالى: âقُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ á  [يوسف: 108].

ثالثًا: إن أصول الدعوة وأسسها ومقوماتها مسطرة في الكتاب والسنة، وظاهرة في عمل النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، ولذا فمن أهم الغايات أن يدرك الداعية هذه الأصول والمقومات ليسير في دعوته وفق منهج صحيح، ورؤية واضحة، توصله إلى النتائج المرضية في أعظم المكاسب، وأقل السلبيات، مع وضوح المنهج وسلامته.

رابعًا: ومن الواجب على أهل العلم أن يسطروا ما يحتاجه الدعاة لوضوح المنهج، من قواعد وضوابط ومعالم تضمن السلامة وتريح الضمير.

خامسًا: من المهم صياغة منهجية الدعوة، ضمن ما سبق من القواعد والتي يمكن إجمالها وفق الآتي:

1 – أن ينطلق الداعية في عمله بعامة وفي دعوته بخاصة، من إخلاصه لله سبحانه وتعالى، وبمقاصد سامية تعلو على مقاصد الدنيا، أو شهوات النفس، أو أن تكون في منافسة دنيوية، أو للتوصل إلى غايات خاصة، بل يجب أن تكون لله سبحانه وتعالى.

2 – أن يُحتذى في هذه الدعوة حذو محمد صلى الله عليه وسلم، فتحدد غايات الدعوة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى الموصلة إلى رضا الله جل وعلا، ودخول الجنة، والنجاة من النار، وكذلك عمارة الكون في هذه الحياة.

3 – أن يكون للدعوة أو الداعية هدفًا يسعى إليه، يوصل إلى الهدف الأكبر السابق كأن يحدد هدفه في التعليم، أو التربية، أو الإغاثة، أو مساعدة الآخرين، أو بناء المساجد، أو إنكار المنكرات الظاهرة، ونحو ذلك، وأن يكون هذا الهدف واضحًا، والرؤية فيه سليمة.

4 – أن تبنى الدعوة على علم شرعي، وتنضبط بالضوابط الشرعية، فينطلق الداعية في دعوته وفي عمله بتوازن بين العلم والعمل، فالله سبحانه وتعالى أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أول ما أنزل التوجه للعلم âاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ á، ثم أمر بالدعوة âيَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿1 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿2 نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا á [المزمل: 1-4] فتقوم الدعوة على العلم والعبادة والعمل، والداعية يوازن في مسيرته الدعوية بين العلم والعبادة والعمل.

5 – ومن المعالم المنهجية التي تقوم عليها الدعوة: النظر تجاه المواقف والوسائل الدعوية بين المصالح والمفاسد، والقاعدة أن يعمل بالمصالح العليا لتقدم على ما هو أدنى، وتترك المفاسد، وتحتمل المفسدة الأدنى لتجتنب المفسدة الكبرى وهكذا.

6 – وفي الوقت نفسه تُبنى الدعوة أهدافها وبرامجها على قاعدة الإصلاح متعدد الجوانب، مراعية الأولويات في البرامج والمناشط، والسير في خط البناء لمشاريع الخير، وخط المعالجة للمنكرات والأخطاء، فيجتنب افتعال التعارض بينهما، أو التصادم، فالخطان متوازيان ويكمل بعضهما بعضًا.

7 – ومع هذا ينبغي الجمع في إطلاق الأحكام وتحديد المواقف والغايات والأساليب بين النظرة العقلية، والنظرة العاطفية، وبين الترغيب والترهيب، وبين النظرة الكلية والنظرة الجزئية، كما أشرنا في مسائل المصالح والمفاسد.

8 – أن يتعامل الداعية في مسيرته الدعوية وفق التدرج المناسب للوصول إلى الهدف المطلوب، وأن يحذر من الاستعجال المذموم الذي يقضي على الدعوة أو يؤخرها.

9– والمسيرة الدعوية يحصل بين أفرادها اتفاق وخلاف، ومن هنا يستوجب العمل للاجتماع وأن يكون هدفًا في هذه المسيرة، والحذر من التفرق المذموم، مع مراعاة الفطرة البشرية في وقوع الخلاف، فيتعامل معه وفق الضوابط الشرعية.

10 – ومن المعالم المهمة في الدعوة مراعاة الأحوال والظروف، والعمل بالأهم فالمهم، والوعي بما هو أوجب فيقدم على الواجب، ويقدم ما لا يمكن تأجيله، وهكذا.

11 – ومن أبرز المعالم النظر إلى الآخرين في أعمالهم الدعوية أنهم مكملون لا مصادمين، وأن التنافس في الوصول إلى النتائج الإيجابية لا في التعارض والتضاد بين المشاريع الدعوية أو بين الدعاة.

سادسًا: أحسب أن من المهم تسطير هذه القواعد، وأمثالها لتحري المنهج الحق في السيرة الدعوية، ومحاولة بلوغ الأهداف أو مقاربتها.

سابعًا: كما أحسب أن من النتائج الإيجابية في العمل وفق هذه القواعد ما يلي:

1 – الاجتهاد في طريق الدعوة بأن تبلغ الأماني وأن تصل إلى الأهداف.

2 – السلامة من العوائق والعقبات المهلكة والموقفة لمسيرة الدعوة.

3 – العمل في الدعوة وفق منهجية مطمئنة مستقرة.

4 – براءة الذمة في القيام بهذه الأمانة العظيمة على أهل العلم.

5 – التوجه نحو منهج موحد أو متقارب بين عامة الدعاة.

6 – قلة نقاط الخلاف بين الدعاة، مع كثرة نقاط الاتفاق، وهذا من عوامل نجاح الدعوة، ووصولها إلى أهدافها المرجوة.

7 – إمكانية إعادة النظر والتقويم لما تم عمله، وحسن التخطيط مما يستقبل من العمل.

أسأل الله تعالى أن يكون فيما كتب النفع والخير والفائدة للدعوة والدعاة، والبلاد والعباد، وأن يجعل ذلك العمل من الحسنات الجارية، في الدنيا والآخرة، وما كان فيها من صواب فهو من الله وحده، وأسأله الثواب المستمر عليه، وما كان من خطأ أو زلل أو تقصير فهو مني، وأسأل الله العفو والمغفرة إنه سميع قريب مجيب.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

`````

كتبه

أ.د. فالح بن محمد بن فالح الصغير

البريد الإلكتروني : عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.



بحث عن بحث