الدرس الخامس

مفسدات الصيام ومفطراته

الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا جل وعلى ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أولي النهى، وعلى من سار على أثرهم واقتفى، أما بعد..

أخي المسلم: كان الحديث في الدرس السابق عن شروط الصوم، وعرفنا أن الصوم لا بد له من نية تسبقه، وأن يكون الصائم مسلما بالغا عاقلا، قادرا على الصيام، وأن يمسك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.

وفي هذا الدرس نعرض لبعض المفسدات للصيام، أو المفطرات للصائم، فنقول: ذكر الله تعالى أصول المفطرات في قوله تعالى: [فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ] [البقرة:187].

ففي هذه الآية بيان أصول المفطرات، ووضحت السنة النبوية ما يحتاج إلى توضيح، ومنها:

أولا: الأكل والشرب، وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف من طريق الفم أو الأنف أياً كان نوع الأكل أو الشرب بعد طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وذلك لقوله تعالى [فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ] [البقرة:187]. ويدخل في الأكل والشرب ما كان في معناهما من الإبر المغذية أو إدخال أنبوب للتغذية مع الأنف أو مع البطن ونحو ذلك.

ثانيًا: الجماع، وهو أعظم المفطرات وأكبرها إثما وأشدها جرما، فمن جامع امرأته في نهار رمضان فقد ارتكب إثما عظيما فيبطل صومه فرضا كان أو نفلا، وإن كان الصيام فرضا فيجب عليه مع القضاء والكفارة المغلظة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.

ثالثًا: إنزال المني باختياره عن طريق التقبيل أو اللمس أو الاستمناء، أو غير ذلك.

قال أهل العلم: لأن هذا من الشهوة التي لا يكون الصوم إلا باجتنابها كما جاء في الحديث القدسي «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي».

ينبغي أن نلحظ هنا أمرين أساسيين يقع فيهما الخطأ من بعض الناس، هما:

التقبيل واللمس من غير إنزال لا يفطر؛ لما روي في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لأربه.

لكن إن كان الصائم يخشى على نفسه حين يقبل أو يباشر الإنزال أو لا يملك شهوته خشية أن يجامع، فحينئذ يجب عليه أن يجتنب هذه الأمور صيانة لصيامه عن الفساد.

الأمر الثاني: أن الإنزال بالاحتلام أو بالتفكير المجرد عن العمل لا يفطر، لأن الاحتلام يكون بغير اختيار الصائم، وأما التفكير فذكر بعض أهل العلم أنه معفو عنه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم  في الحديث: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم».

رابعًا: ومن الأمور المفطرة: إخراج الدم بالحجامة كالفصد والتبرع بالدم ونحوه، وعلى هذا لا يجوز للصائم أن يحجم، وذلك لما روى أحمد وأبو داود وغيرهما عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «أفطر الحاجم والمحجوم».

ومما ينبغي أن يلاحظ هنا أن خروج الدم بالرعاف وما لا قصد فيه لا يؤثر إن شاء الله تعالى على الصوم، لأنه ليس بحجامة ولا في معناها، ومنه خروج الدم القليل كالتحليل، فلا يفطر، أو خروجه بغير قصد ولو كان كثيرا عرفا.

خامسا: خروج دم الحيض والنفاس، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم  في المرأة: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟».

وعلى هذا فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس فسد صومها، سواء كان ذلك في أول النهار أم في آخره، ولو قبيل الغروب.

سادسًا: التقيء عمدًا، والمراد به إخراج ما في المعدة من الطعام والشراب عن طريق الفم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض».

ويفهم من الحديث أنه لا يفطر إلا إذا تعمد القيء لكنه إذا لم يتعمد وغلبه القيء فلا يفطر والحمد لله على يسر الإسلام وسهولته.

أخي المسلم: اعلم أنه لا يجوز لأي صائم تناول مفطر من المفطرات من غير عذر شرعي، وذلك لما رواه أصحاب السنن وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «من أفطر يوما من رمضان من غير عذر، ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه» .

أخي المسلم: هذه هي مفسدات الصوم التي الصوم التي يحرم على الصائم ارتكابها إذا كان صومه واجبا كصوم رمضان، وصوم الكفارة إلا إذا كان له عذر يبيح الفطر؛ لأن من تلبس بواجب لزمه إتمامه.

أما إن كان صومه تطوعا فإنه ينبغي له عدم الإفطار، لكن إن أفطر فيجوز له ذلك ولو بدون عذر.

فاحفظوا صيامكم من هذه المفسدات، وتجنبوا عموم المعاصي والمحرمات، وتعرضوا في هذا الشهر الكريم لنفحات فاطر الأرض والسموات، فإنه عظيم العطايا، وجزيل الهبات. وللحديث بقية عن المفطرات إن شاء الله تعالى.

وأسأل الله تعالى أن يتفضل علينا بالفضل والإحسان، وأن يعاملنا بالعفو والغفران، إنه سميع قريب.  



بحث عن بحث