الدرس الحادي عشر

وقفات مع الأطفال والتجار

الحمد لله الذي قدر الفلاح لأهل الإيمان، والخسارة لأهل الفسق والعصيان وفتح أبواب الجنان في رمضان وغلق أبواب النيران، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خير من صلى وصام، وقام لله حق القيام، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، أما بعد:

فقد تحدثنا في الدرس السابق عن بعض أصناف الناس تجاه رمضان، فمنهم من عرف قدره ومنزلته واستعد له بالتوبة والمحاسبة على ما مضى في سالف الأيام من الأعمال، وعده ضيفا يكرمه بما يستحق من الإكرام بالقراءة والطاعة والصدقة والإحسان وغيرها من أعمال الخير والبر، وعرفنا أن هناك أصنافا من الناس تشعبوا في نظرتهم لرمضان، والكثير من هؤلاء جعله ميدانا للتنافس في أنواع المطعومات والمشروبات، وآخرون جعلوا حياتهم منقلبة في رمضان إلى سهر طويل ونوم كثير في النهار.

وفي هذا الدرس نواصل البحث عن بعض أعمال الناس تجاه هذا الوافد الكريم، ولنجعل الوقفة الأولى مع الأطفال، والأولاد، وعمل الآباء والأمهات معهم.

أيها الإخوة الصائمون: لا يشك عاقل في أن أبناء اليوم هم رجال الغد، وعليهم تؤمل الأمة آمالها، ولا يشك عاقل في أن قوة البناء وعظمته في قوة أساسه، ولا يشك عاقل في أن فاقد الشيء لا يعطيه، وكل إناء بما فيه ينضح، ومن هذا المنطلق نجد تعامل الناس مع أطفالهم في رمضان تعاملا غير سليم، وهناك صور من هذا التعامل، ومنها:

تعويد الطفل على السهر إلى قرب الفجر، ثم ينام الطفل حتى العصر أو المغرب، وهنا نسأل: ما ذا عمل الطفل طوال الليل؟ ويجيبك عن هذا: الشارع قبل البيت، ترى الشوارع مليئة بالأطفال يلهون ويلعبون، ثم تسأل: وأين أبوه وأمه؟ وأين أخوه وأخته؟ حينئذ لا ترى جوابا مرضيا، أو تجد عكوفا عند آلات اللهو بأنواعها كانت، والحاسب، والفضائية وغيرها.

والكثير من الناس يؤمّن أنواع المأكولات والمشروبات والملذات، وآلات اللهو وأجهزة اللهو وغير ذلك لأطفاله؟ ولكن إذا سألته: هل أمنت له ما يناسب حال هذا الشهر من أنواع العبادة، هل تسمعت لقراءته القرآن الكريم؟ وهل علمته أنواعا من الأدعية والأذكار؟ وهل صحبته معك لصلاة التراويح؟ هل راجعت معه ما حفظ من القرآن الكريم؟ هل صحبته لزيارة قريب أو صديق؟ هل أمنت له كتابا يناسب عمره ومستواه ليستفيد منه؟ هل أهديت له شريطا فيه علم نافع أو قصة مفيدة ونحو ذلك؟.

وأخيرًا: هل عودته الصيام ليتربى مع شعائر دينه وأركان إسلامه؟ إن القليل هم الذين يفعلون ذلك.

صورة أخرى، وهي: أن كثيرا من الأمهات يتركن أولادهن الصغار جائعين في البيوت وهن يغططن في نوم عميق جراء السهر والتعب في الليل، وكأن الأم ليست مسئولة عن أطفالها إلا في الليل فقط، وكثير من الأمهات من باب الرحمة والشفقة تنهي أولادها عن الصيام عندما يطلبون ذلك، وغير ذلك من الصور التي يعيشها كثير من الأسر، وكأن هؤلاء لم يسمعوا قول الله تعالى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ] [التحريم:6] ولم يعلموا قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته» ولم يتأملوا في حياة القدوة عليه الصلاة والسلام، كقول عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا دخلت العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله، وغير ذلك من النصوص الكثيرة.

أخي المسلم: والوقفة الأخرى مع البائعين والمشترين في الأسواق والمتاجر، ومع معاملاتهم الكثيرة ومن أبرزها في هذا الشهر الكريم أنها تكون عامرة طوال الليل ومزدحمة بالآيبين والذاهبين والمتجولين لحاجة ولغير حاجة، وكأن هؤلاء ليس لهم من هذا الشهر إلا البيع والشراء، وكثرة المكاسب  المادية التي استولت على أذهانهم، ولم يعرفوا من هذا الموسم إلا أنه موسم للتجارة المادية، ولم يعرفوا أنه موسم تجارة رابحة مع الله تعالى يتنافس في ذلك المتنافسون، ويتسابق المتسابقون، بل تجد أن بعضا منهم لا يبالي بصلواته، وصيامه كما يبالي في بيعه وشرائه، بل أكثر من ذلك أن يتعامل بالغش في المعاملات والكذب في التعامل، والغلاء الفاحش في الأسعار، والحلف كاذبا في إنفاق السلعة وعدم بيان للعيوب.

وأشد من ذلك: التعامل بالربا، وأكل أموال الناس بالباطل، أضف إلى، أضف إلى أن كثيرا من هؤلاء  لا يؤدون الزكاة المفروضة فضلا عن الصلة والبر والإحسان، وغير ذلك من الصور التي لا تخفى على الكثير.

إن من يتعامل بمثل هذه المعاملات يعرض نفسه لخطر عظيم، ويكفي في ذلك أنه يأكل حراما ويشرب حراما ويلبس حراما، ويغذي جسده وأسرته بالحرام، وعاقبة ذلك عدم استجابة الدعاء، فالله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وكل جسد غذي بالحرام فالنار أولى به، كما ورد في الحديث.   والله سبحانه وتعالى أحل البيع وحرم الربا، وحرم التعامل بالباطل.

أيها الإخوة التجار والبائعون: لنجعل رمضان فرصة لمراجعة حساباتنا مع ربنا جل وعلا كما ندقق الحسابات في أموالنا، ولنجعل رمضان ميدانا للتنافس في إخراج الزكاة والصدقة، فهي تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، كما نجعله موسما  للتجارة المادية.

وهلا فكرنا في طرق كثيرة أحلها الله لنا بدل ما نستخدمه من المعاملات غير السليمة مما سبق بيانه.

إن مجالات البر والخير والإحسان كثيرة جدا تنتظرك أخي التاجر لتمد يدك فيها، وتشارك إخوانك المحسنين، فالفقراء والمساكين بحاجة شديدة إلى صدقتك، ووجوه البر ومشاريع الخير متوفرة وكثيرة، وبحاجة إلى مساهمتك، والمسلمون بعامة ينتظرون عونك ومساعدتك، فلا تبخل بشيء من أموالك، فلك منه ما أكلت وأبليت وتصدقت وأنفقت، وكل ذلك مخلوف لك عند ربك جل وعلا، ويضاعف أضعافا كثيرة في رمضان.

دعوة إليك أخي المسلم بأن تبذل ما استطعت وتعود نفسك على ذلك ولو بالقليل، فالقليل مع القليل كثير، والسيل إنما يكون باجتماع النقط.

أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الكريم وأن يوفقنا لعمل الطاعات، والقربات، إنه قريب مجيب.



بحث عن بحث