الدرس الثامن والعشرون

وداع رمضــان

الحمد لله الذي جعل الليل والنهار وخلقه لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد ...

وإن من حكمة الله جل وعلا أن جعل لكل شيء بداية ونهاية وجعل الليل والنهار يتعاقبان، كل ذلك لمن أراد أن يذكر ويعتبر والمؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم  نبيا ورسولا، هو الذي يتعظ بمسيرة هذا الكون، وهو الذي يعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان في هذه الحياة إلا ليبتليه أيشكر أم يكفر، وأوجد له الكون وما فيه تسخيرا لهذا الإنسان وليستدل به على عبوديته لله سبحانه وتعالى، ويعلم أن خلق الله الليل والنهار يعقب بعضهما بعضا، وأنعم عليه بمواسم في هذا الزمن يقف عندها متعظا ومحاسبا نفسه ومتزودا من الخير والتقوى، فجعل هناك أياما في السنة ومن أهمها شهر رمضان الذي فضله على سائر الشهور ليستفيد منه المسلم بزيادة رصيده من الحسنات وبتكفير ما وقع منه من الزلات وليحاسب نفسه على جميع الأعمال .

أخي المسلم: هاهو شهر رمضان قرب رحيله وأزف تحويله وأذن بالفراق، يرحل عنا بما حمل فيه من الأعمال، فالسعيد من حمله عملا صالحا وقولا طيبا ونية صادقة وصدقة خفية وبرا وإحسانا وصلاة وتهجدا، وهذا بلا شك سيكون شاهدا له يوم القيامة بصيامه وقراءته وصلاته وبره وإحسانه، والشقي من ذهبت عليه هذه الليالي والأيام ولم يستفد منها بل كانت عليه خسارة ووبالا.

أخي المسلم: لا شك أن حال المسلمين تغيرت في شهر رمضان، صيام بالنهار وقيام بالليل، الألسنة تلهج بالذكر والدعاء، والمساجد عامرة بالمصلين والقارئين والذاكرين، كتاب الله يتلى في البيوت والمساجد، والصدقات والبر والإحسان سخية بها الأيدي، الغني يفرح بإخراج صدقته ويطلب الأجر والثواب، والفقير يفرح لسد حاجته وفاقته، الأقوال طيبة، والأعمال صالحة وكثير من المسلمين تاب إلى ربه وأناب وندم على أفعاله السابقة في بيعه وشرائه في مكسبه وخسارته في مطعمه ومشربه. يرجو رحمة ربه ويخش عقابه، كثير من المسلمين ارتاد بيت الله الحرام ليؤدي عمرة يرجو بها مغفرة ذنوبه وتكفير سيئاته وزيادة حسناته، وكثير من المسلمين غير من طباعه السابقة من الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور والسباب والشتائم وغيرها، وتاب منها وأبدلها بما هو خير، كثير من المسلمين ممن لم يكن يحافظ على الصلوات أو يتكاسل عنها أولا يؤديها في أوقاتها استفاد من رمضان وصار من عمار بيوت الله، لاشك أن رمضان أفاد الكثير من الناس والحمد لله على فضله وإنعامه والشكر على توفيقه وامتنانه. ولكن الكثير أيضا مر عليه شهر رمضان ولم يستفد من هذه الفرصة الربانية ولم يغير من حاله شيئا، بل إن كثيرا من الناس أيضا صار رمضان ضيفا ثقيلا عليه يتمنى زواله بأسرع وقت وقد طال عليه أمره، بل إن بعض الناس لم يستفد في رمضان إلا مضاعفة السيئات وتقليل الحسنات، نوم في النهار يضيع معه الصلوات وسهر في الليل على الملهيات، أطلق لجوارحه العنان فأوقعته في المهالك، لم يقف مع نفسه لحظة يتفكر ويتذكر، ولم يستفد من رمضان إلا أنه جعل الليل نهارا والنهار ليلا، وهناك بعض الناس ممن ابتلاهم الله سبحانه ببعض العادات السيئة كشرب الدخان والإدمان عليه، أو تعاطي المسكرات والمخدرات وغيرها، فلم يستفيدوا من هذه الفرصة ليقلعوا عنها، وهؤلاء ونحوهم يخشى عليهم من الوعيد، وسيكون رمضان شاهدا عليهم بما عملوه من أعمال.

أخي المسلم الكريم: ونحن نودع رمضان لا بد وأن نقوم بآداب الوداع على أكمل وجه ليكمل لنا الأجر وليزداد الثواب، فإن من آداب الضيافة حسن الاستقبال وحسن الوداع، ونتذكر أن الأعمال بالخواتيم فليكن ختام رمضان بالتوبة والاستغفار والندم على التقصير، بالتوبة النصوح الخالصة لله عز وجل، الباعثة على العزم الصادق، لمواصلة مسيرة العمل الصالح، والاستغفار عما اقترفناه من ذنوب وعما ارتكبناه من أخطاء، لعل الله سبحانه وتعالى أن يعمنا بمغفرته في آخر ليلة من هذا الشهر الكريم. 



بحث عن بحث