أولاً: السنة في مفهوم المستشرقين

يقول جولد تسيهر عن مفهوم السنة: «هي جوهر العادات وتفكير الأمة الإسلامية قديمًا وتعد شرحًا لألفاظ القرآن الغامضة التي جعلتها أمرًا عمليًا حياً».

كما يقول أيضًا هذا المستشرق: «ما من أمر أو فعل يوصف عندهم بالفضل أو العدالة إلا إذا كان له أصل في عاداتهم الموروثة أو كان متفقًا معها، وهذه العادات التي تتألف منها السنة تقوم عندهم مقام القانون أو الديانة، كما أنهم كانوا يرونها المصدر الأوحد للشريعة والدين، ويعدون إطراحها خطأ جسيمًا، ومخالفة خطيرة للقواعد المعروفة والتقاليد المرعية التي لا يصح الخروج عليها، وما يصدق على الأفعال يصدق أيضًا على الأفكار الموروثة، والجماعة يتحتم عليها أن لا تقبل في هذا المجال شيئًا جديدًا لا يتفق مع آراء أسلافها الأقدمين» ثم يقول: «فكرة السنة يمكن إدراجها بين الظواهر التي سماها سبنسر بـ : العواطف القائمة مقام غيرها وهي النتائج العضوية التي جمعتها بيئة من البيئات خلال الأجيال والأحقاب، والتي تركزت وتجمعت في غريزة وراثية تتألف منها الصفة أو الصفات التي يتوارثها أفراد هذه البيئة».

ثم يتطرق هذا المستشرق إلى تحديد مفهوم الحديث الذي يفصله عن مفهوم السنة بقوله إن الحديث: «الشكل الذي وصلت به السنة إلينا، فهما ليسا بمعنى واحد، وإنما السنة دليل الحديث، فهو عبارة عن سلسلة من المحدثين الذين يوصلون إلينا هذه الأخبار والأعمال المشار إليها طبقة بعد طبقة، مما ثبت عند الصحابة أنه حاز موافقة الرسول [صلى الله عليه وسلم] في أمور الدين أو الدنيا، وما ثبت أيضًا حسب هذا المعنى من الـمُثُل التي تحتذى كل يوم».

وأما شاخت فيقول: «إن الأحاديث ليست هي السنة بل هي تدوين السنة بالوثائق».

ويمكن استخلاص مفهوم السنة عند المستشرقين في النقاط التالية:

1 – أن السنة هي جوهر العادات والتقاليد الموروثة.

2 – أن السنة شرح لألفاظ القرآن الغامضة.

3 – أن السنة وحدها هي القانون أو الديانة وهي المصدر الوحيد للشريعة.

4 – أن السنة غير الحديث، وأنهما ليسا بمعنى واحد.

وهنا لا بد من بيان حقيقة مفهوم السنة والحديث لدحض هذا الخلط الذي انتهجه المستشرقون بقصد التشويش والتضليل على أبناء الأمة، والتشكيك في المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي.

فالسنة في اللغة: كما في القاموس المحيط هي الطريقة والعادة حسنة كانت أم سيئة، وقد جاءت بهذا المعنى في قوله تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 77]. وجاءت في الأحاديث النبوية الشريفة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».

أما السنة اصطلاحًا: فقد تباينت تعريفات العلماء لها حسب نوع العلم الشرعي الذي تستعمل فيه السنة:

1 – السنة عند المحدثين: ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلُقية أو خَلقية.

فالقول: وهو الكلام الذي نطقه النبي صلى الله عليه وسلم وتناقله الناس بعد ذلك، مثل حديث: «إنما الأعمال بالنيات».

الفعل: وهو ما كان يقوم به النبي عليه الصلاة والسلام من سلوك وتصرف وفعل، مثل كيفية صلاته، وصيامه، وحجه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وقال أيضًا: «خذوا عني مناسككم».

التقرير: وهو ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم من أفعال الصحابة بسكوته أو بإظهار رضاه له، كإقراره عليه الصلاة والسلام لمن تيمم لعدم وجود الماء ثم وجده بعد الانتهاء من الصلاة ولم يعد صلاته.

الصفات، وهي إما خَلقية كطوله ومشيه ولونه وشعره..إلخ، أو خُلقية كالشجاعة والكرم والحلم والصفح وغيرها.

2 – السنة عند علماء أصول الفقه: فهي ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وبعضهم يضيف ما يصلح أن يكون دليلاً شرعيًا. 

3 – السنة عند الفقهاء: تعددت تعريفات السنة عند الفقهاء ولكن مدلول هذه التعريفات واحد، فمنها: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، ومنها: كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن من باب الفرض والواجب.

4 – السنة عند علماء العقيدة: هي كل ما دل الدليل الشرعي عليه سواء كان هذا الدليل من الكتاب أو الحديث أو من قواعد الشريعة، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة».

أما تعريف الحديث: بأنه علم يعرف به أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله. أو هو: كل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا التفصيل والتوضيح كافٍ لأن يزيل الغمة عن أفهام بعض من قد يجد التشويش الاستشراقي إلى فكره سبيلاً، هذا التشويش الذي يقصد به إلحاق اللغط وعدم الضبط في أهم علم من علوم هذا الدين وهو علم السنة والحديث، فيسقط ادعاء هؤلاء المغرضين من أن السنة خليط من المأثور القديم، وليعلموا بعد ذلك هؤلاء القوم جهود العلماء الأفذاذ الكبيرة وأسفارهم الطويلة والمديدة في سبيل تحصين هذا المصدر من سموم الحاقدين وإفك المفترين.

ثم إنهم لم يقفوا عند هذا الحد في خلطهم بين السنة والحديث وإنما عمدوا إلى الطعن في أركان السنة التي ترتكز عليها.



بحث عن بحث