ثالثًا: الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم

أ – زعمهم انشغاله صلى الله عليه وسلم بالنساء:

يقول غوستاف لوبون: «وضعف محمد [صلى الله عليه وسلم] الوحيد هو حبه الطارئ للنساء، وهو الذي اقتصر على زوجته الأولى حتى بلغ الخمسين من عمره، ولم يخف محمد [صلى الله عليه وسلم] حبه للنساء، فقد قال: «حبب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة».

ولم يبال محمد بسن المرأة التي كان يتزوجها، فتزوج عائشة وهي بنت عشر سنوات، وتزوج ميمونة وهي في السنة الحادية والخمسين من عمرها.

وأطلق محمد العنان لذلك الحب، حتى إنه رأى اتفاقًا زوجة ابنه بالتبني وهي عارية، فوقع في قلبه منها شيء فسرّحها بعلُها ليتزوجها محمد [صلى الله عليه وسلم] فاغتم المسلمون، فأوحي إلى محمد [صلى الله عليه وسلم] بواسطة جبريل الذي كان يتصل به يوميًا آيات تسوغ ذلك، فانقلب الانتقاد إلى سكوت».

ويقول جولد تسيهر في كتابه العقيدة والشريعة: «روي عنه [صلى الله عليه وسلم] أنه قال: «إنما حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء» وأضيف إلى ذلك فيما بعد: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» وهذه الرواية وأمثالها تجعله بحق موضع اتهام خصومه الذين أخذوا عليه أنه لا يشتغل بغير النساء مما لا يتفق وصفة النبوة».

يقول الله تعالى:{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف:5].

يراد بذلك إحداث خلل في عقيدة المسلم وتشكيكه في نبيه صلى الله عليه وسلم ورسالته، وذلك حسب أهوائهم وتصورهم البشري القاصر، ثم يكون هدم الفروع سهلاً عليهم، ولكن الله تعالى هيأ لحفظ هذا الدين رجالاً وعلماء استطاعوا بفضله جل وعلا أن يتصدوا لهؤلاء، يقول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم : 27].

والعداء لهذا الدين قديم منذ أن أرسل الله الأنبياء والرسل الأولى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31].

وللإجابة عن هذه الشبهة نقول:

1 - إن الله تعالى أباح لنبيه صلى الله عليه وسلم بالزواج لأكثر من واحدة، وهذا شرع الله الذي نحن به مؤمنون أبدًا، وهذه عقيدة المؤمنين الصادقين عبر التاريخ الإسلامي الطويل من عهد النبوة إلى قيام الساعة، مهما تقوّل المبطلون أو افترى الحاقدون، ولهذا الزواج في دين الإسلام حِكَمٌ وأسباب، تبيّن لنا بعضها وغاب عنا بعضها الآخر، من هذه الحكم التي نلمسها:

أ – أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام فإن الصوم له وجاء».

ب – تربية النفس على الطهارة والعفة بدلًا من إطلاق عنانها في دروب الرذيلة ومهاوي الخنا والفواحش، فربما احتاج الإنسان ليتزوج أكثر من واحدة لحاجته إلى ذلك، فهناك من الرجال تكون غريزة الجنس عندهم قوية لا يصبرون على واحدة فقط، ولاسيما في حالات النفاس والحيض وغيرها، أو قد تكون الزوجة مريضة أو عقيمة، أو غير ذلك من الأسباب التي تدفع بالإنسان أن يتزوج بأخريات.

ج – زيادة عدد النساء وقلة عدد الرجال الذين تصيبهم المنية بأسبابها الكثيرة ولاسيما الحروب الطاحنة التي تعم أرجاء الأرض، وما تخلفه هذه الحروب من المآسي والكوارث البشرية من القتلى والمعاقين مما يقلل نسبة عدد الرجال وقدرة بعضهم على الزواج، فكان لزامًا أن يتزوج الرجل الواحد أكثر من واحدة، حتى لا تنحرف النساء العازبات عن السقوط في شراك الرذيلة والفاحشة.

2 – إن الزواج بأكثر من واحدة كان جائزًا في جميع الشرائع السابقة، كاليهودية والنصرانية التي ينتمي إليها معظم المستشرقين وأذنابهم، مما يتبين لنا ما تكنه نفوس هؤلاء من حقد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

3 – فلينظر هؤلاء المستشرقون ومن سار على دربهم إلى الحقيقة الناصعة التي يتهربون منها في كتاباتهم ومحاضراتهم، ألا وهي السن الذي تزوج فيه الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام خديجة ك، وهو سن الشباب وقمة الطاقة والقوة الجسدية والجنسية، لو كان عنده أهواء جنسية لاختار من أجمل بنات العرب مالاً ونسبًا، وهو الشاب الأمين ومن نسب عريق وأصيل، إلا أن الله تعالى أراد أن يتزوج من خديجة التي كانت تكبره بخمس عشرة سنة، ليكون ذلك نقاء في صفحة حياته النقية أصلاً، ويكون صفعة في وجوه من أراد أن يثير حوله شبهة الشهوانية أو الهوى.

4 – ثم إن مرحلة الشباب التي مرّ بها هذا النبي عليه الصلاة والسلام لتشهد له بما كان عليه من الفضائل والأخلاق من السلوك وصدق الحديث والأمانة وغيرها، حتى سمي بين قومه بالصادق الأمين.

5 – إن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم كانت بفضل زوجاته بمثابة مدارس تخرج المؤمنات الداعيات لهذا الدين، وكانت كل زوجة داعية وفقيهة تعلم النساء أحكام دينهن لقربهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت النسوة يترددن إليهن، ويسألن عما يشكل عليهن من أمور الدين كحقوق الزوج وأحكام الطهارة والتحلي بأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام.

6 – لو كان التعدد من الأمور الشهوانية والبهيمية لدى المسلمين لاستباح دين المسلمين إطلاق العنان لأبنائه بأن يسرحوا ويمرحوا في عالم الشهوة والهوى ومع أكبر عدد من النساء كما كانت عليه العرب في الجاهلية وبيوت الخنا التي كانت ترفرف على أبوابها أعلام الفاحشة والفجور، وكما نلاحظه في العصر الحالي من الإباحية المطلقة والبهيمية الجامحة التي ليس لها ضوابط ولا روادع، بل إن معظم بيوت الفاحشة في أوربا وغيرها عبارة عن مؤسسات لها حصانة قانونية، ولها الحرية التامة في الدعاية والإعلان حتى صارت مهنة وتجارة عالمية مربحة، ناهيك عن الدعم الذي تجده هذه المؤسسات من القوى السياسية في تلك البلاد تحت راية الحريات الشخصية، حتى وصل بهم الحال أن يتزوج الرجال بالرجال، وصارت لهم منظمات ومراكز تعقد فيها عقود رسمية في المحاكم والدوائر الرسمية.

أما عن نشاطات هذه المؤسسات والنوادي فهي قوية جدًا، ولديها قوة إعلامية هائلة للدعاية والترويج والربح، والشاهد على ذلك الفضائيات التي تبث في الليل والنهار الأفلام الجنسية بشتى الصور والأشكال، وشبكات الإنترنت التي صارت من أكبر الميادين الدعائية لها، وحسبنا أن نعلم أن هناك ما يقارب اثنين وعشرين مليون موقع جنسي على شبكات الإنترنت، عدا المحادثات المباشرة على مدار الساعة وبالعملات الصعبة.

هذه هي البهيمية الحقيقية والغريزة الحيوانية الجامحة من غير ضوابط وأحكام التي أفسدت المجتمعات الإنسانية وأخرجتها من إنسانيتها، واستولت على عقول الناس ولوَّثت صفاء العقول وبراءة النفوس بالشهوات والخبائث.

والشيء الذي يأسف له القلب ويندى له الجبين أن هذه الثقافة الجنسية قد دخلت كثيرًا من البلاد الإسلامية وإن لم تكن على نحو رسمي ولكنها موجودة ولها تجارها وعملاؤها.

5 – لم يكن من بين زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بكر إلا عائشة ك، أما الأخريات فأرامل وثيبات، والعاقل يدرك أن زواجه عليه الصلاة والسلام بهؤلاء النساء رضوان الله عليهن لم يكن بدافع شهوة أو هوى في النفس، وإنما كان زواجه بكل واحدة منهن لقصة وحكمة، فمثلاً تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين سودة بنت زمعة بن قيس القرشية وهي في الخامسة والخمسين بعد وفاة خديجة ك، فهي مسنة وثيب، تقول عائشة ك: لما توفيت خديجة بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنه  للنبي صلى الله عليه وسلم: أي رسولَ الله ألا تتزوج؟ قال: من؟ قالت: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا. قال: مَن البكر؟ قالت: بنت أحبِّ الخلق إليك عائشة بنت أبي بكر. قال: ومَن الثيب؟ قالت: سودة آمنت بك واتبعتك. فاختار النبي صلى الله عليه وسلم سودة حيث بقيت تعاني الوحدة بعد وفاة زوجها في مكة فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن ترجع إلى مكة ويفتنها أهلها في دينها فتزوجها صلى الله عليه وسلم ليحفظها ويستر عليها ويحميها من قومها الذين أسلم عدد كبير منهم بعد هذا الزواج.

فإن النظر والإمعان في هذا الزواج فيه ما يرد كيد المغرضين والطاعنين في شخص النبي صلى الله عليه وسلم الذي عرض عليه البكر والمسنة الثيب فاختار المسنة رفقًا بحالها وأنسًا لوحدتها وحفاظًا على دينها وعقيدتها.

وأما زواجه عليه الصلاة والسلام بأم المؤمنين جويرية بنت الحارث ك التي كانت من سبايا بني المصطلق، وتقول أم المؤمنين عائشة ك في قصة زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم: «وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو ابن عم له فكاتبت على نفسها وكانت امرأة ملاحة تأخذها العين، قالت عائشة ك: فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها، فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرى منها مثل الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث وإنما كان من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإني كاتبت على نفسي فجئتك أسألك في كتابتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل لك إلى ما هو خير منه؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك. قالت: قد فعلت، قالت: فتسامع تعني الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية فأرسلوا ما في أيديهم من السبي فأعتقوهم وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق في سببها مائة أهل بيت من بني المصطلق».

وقد كان هذا الزواج سببًا في دخول بني المصطلق في الإسلام بعد معاداة طويلة على الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام. وهذا وحده كاف لمعرفة الحكمة من زواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك العدد من النساء.

وسائر الزوجات الأخريات رضوان الله عليهن أيضًا كان لكل واحدة منهن شأن ديني ومصلحة دعوية، أو عطف إنساني، أو أمر رباني.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن كثيرًا من المستشرقين وأذنابهم من بعض المستغربين يخافون من المد السكاني الإسلامي وخطره على أفكار شعوبهم وبلادهم ومصالحهم، مما يدفع بهم بين الفينة والأخرى إلى نشر الكتب وعقد الندوات والمحاضرات والمؤتمرات التي تطالب بالحد من التعدد، وتحديد النسل بحجة التنظيم أو بهدف الحصول على الرخاء الاقتصادي والاجتماعي في بلاد المسلمين التي يكثر فيها التعدد ويتزايد فيها الإنجاب.

ب – زعمهم اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالغنائم والسلب:

 يقول مرجليوث: «عاش محمد [صلى الله عليه وسلم] هذه السنين الست ما بعد الهجرة إلى المدينة على التلصص والسلب والنهب - ولكن نهب أهل مكة قد يسوغه طرده من بلده ومسقط رأسه وضياع أملاكه، وكذلك بالنسبة إلى القبائل اليهودية في المدينة، فقد كان هناك – على أي حال – سبب ما، حقيقيًا كان أم مصطنعًا يدعو إلى انتقامه منهم، إلا أن خيبر التي تبعد عن المدينة كل هذا البعد لم يرتكب أهلها في حقه ولا في حق أتباعه خطأ يعدّ تعديًا منهم جميعًا؛ لأن قتل أحدهم الرسول محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لا يصلح أن يكون ذريعة للانتقام».

ولا استغراب في هذا الكلام حيث خرج من أفواه يهودية أو صليبية وسطرتها أقلامهم المنحرفة، ويشم من هذا الكلام حقد وحسرة ولاسيما أن هذا الدين قد وصل إلى أرجاء العالم وما وراء المحيطات والجبال، وهذا هو الشيء الذي يغيظهم ويحرق صدورهم، لذا يتخبطون ويفترون دون دليل علمي أو وثيقة تاريخية، ويكتبون الكلام جزافًا ويسمعه الحمقى والغاوون.

وللرد على هذه المزاعم والافتراءات المكشوفة نقول:

1- كيف بنبي أرسل من رب العالمين يكون همه السلب والنهب والعيش على أقوات الناس وأموالهم، وكل حركة من حياته عليه الصلاة والسلام وكل كلمة وسلوك ينطق بخلاف ما ذهب إليه هؤلاء المستشرقون؟ فالمعروف من حياة النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يعيش على الكفاف وأنه كان يمر الشهر والشهران ولا يوقد في بيته نار، وأنه تعرض في بداية دعوته لأكبر جائزة ومنال من قريش فرفضها، حيث عرضت عليه المال والنساء والجاه فقال قولته المشهورة صلى الله عليه وسلم: «يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته».

فمن يرفض هذا العرض المغري ويركن إلى الزهد ويصبر نفسه مع الفقراء، ويحث أصحابه على شظف العيش والخشونة فيه، ووصف دار الدنيا بأنها دار ابتلاء واختبار، لا يكون من هذا شأنه إلا رجل يعيش من أجل رسالة عظيمة وهدف سام وجليل، وهي الدعوة إلى دين الله والعيش في ظلالها والموت في سبيلها، والتاريخ يشهد لهذا النبي عليه الصلاة والسلام بما كان عليه في حياته إلى أن توفاه الله تعالى، من صدق في الحديث واستقامة في السلوك وأمانة في التعامل، وإخلاص في العمل، وغير ذلك من الخصال الحميدة والأخلاق الفاضلة التي شهد له بعض الغربيين، يقول: «الكونت هنري دي كاستري»: «إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] ما كان يميل إلى زخارف الدنيا ولم يكن بخيلاً، وكان يستدر اللبن من نعاجه بنفسه، ويجلس على التراب، ويرقع ثوبه ونعاله بيده، ويلبسها مرقعة، وكان قنوعًا، وقد خرج من هذا الباب، ولم يشبع من خبز الشعير مرة في حياته، وتجرد من الطمع، وتمكن من نوال المقام الأعلى في بلاد الغرب، ولكنه لم يجنح إلى الاستبداد فيها، فلم تكن له حاشية، ولم يتخذ وزيرًا ولا حشمًا، وقد احتقر المال، وإنه بلغ من السلطان منتهاه، ومع ذلك لم يكن له علامات الإمارة والملك سوى خاتم من الفضة مكتوب عليه (محمد رسول الله)».

2- ثم لينظر هؤلاء الذين لا يريدون أن يقرؤوا التاريخ على حقيقته وإنما يريدونه على هواهم ومصالحهم وأحقادهم لهذا الدين ونبيه عليه الصلاة والسلام، لينظر هؤلاء إلى الخلق العظيم الذي كان يتحلى به الرسول عليه الصلاة والسلام وسماحته مع أعدائه، فبعد فتح مكة انقادت إليه القبائل، وصارت تحت سيطرته الجزيرة العربية، وأولئك الأعداء الذين كذبوه وحاربوه وأعرضوا عن دعوته، وقتلوا أصحابه وأهله، وقاطعوه في كل شيء مع صحابته ثلاث سنوات، وأخرجوه مع المؤمنين من ديارهم إلى الحبشة والمدينة، هاهم اليوم ضعفاء وأذلاء أمام هذا النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون جزاءهم وعقابهم على ما اقترفوه خلال تلك السنوات نحو هذا النبي وأصحابه ودعوته، وقلوبهم وجلة تخشى أن ينزّل عليهم هذا النبي عليه الصلاة والسلام أقسى العقوبات أو أشد أنواع العذاب، ولكن الأمر كان على خلاف هذا التصور فخاطبهم نبي الرحمة: «يا معشر قريش! ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء».

فأين الانتقام الذي يزعمه هؤلاء الحاقدون على الإسلام وأهله؟.

وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام مليئة بمثل هذه المواقف الرحيمة التي حيرت القاصي والداني من الأعداء وغيرهم، إلا أن هذا المستشرق الحاقد لا يريد أن يراجع التاريخ من أبوابه.

3- أما مسألة يهود خيبر فإن فيه القول الكثير الذي لا يذكره المستشرقون فإنهم من ناحية كفرهم كمشركي قريش والله تعالى أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بقتالهم وإخراجهم من خيبر بعد نزول قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة : 216]. وقوله تبارك وتعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 244]. وقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة : 29].

4- أما من الناحية الأخرى، فإن يهود خيبر لم يكونوا مسالمين مع المسلمين أبدًا، فقد ذهب إليهم كثير من زعماء بني النضير وظاهروهم على المسلمين وهم الذين حرضوا بعض القبائل على قتال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق مثل غطفان وغيرها بشرط أن يكون لهم نصف ثمر خيبر.

وقد أقرّ بهذه الحقيقة المستشرق «مونتجمري وات» بقوله: «كان يهود خيبر وبخاصة رؤساء قبيلة بني النضير التي أجلاها الرسول [صلى الله عليه وسلم] من المدينة يضمرون الحقد لمحمد [صلى الله عليه وسلم]، وهم الذين نجحوا في حمل قبائل العرب المجاورة على حمل السلاح على المسلمين والزحف عليهم، بما بذلوه من أموال، وكان ذلك هو السبب الرئيسي في توجه محمد إلى خيبر بجيوشه».

5- أما تعليل مرجليوث أن سبب انتقام المسلمين من اليهود في غزوة خيبر هو قتل أحدهم رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فهو خطأ وافتراء عظيم على الحقائق التاريخية التي لا شك أنها لا تخفى على مرجليوث، ولكن التعصب يصم ويعمي، فالصواب الثابت تاريخياً أن قتل أحدِ يهود خيبر رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن سهل – كان بعد غزوة فتح خيبر، وليس قبلها، حتى يكون سببًا للانتقام منهم، من هنا يتبين لنا التلبيس الذي يمارسه المتعصبون الحاقدون من المستشرقين على عامة القراء والتحريف المتعمد لحقائق السيرة النبوية بصفة خاصة، ومعروف في كتب السيرة أن من أهم أسباب غزوة خيبر هو تحريض أهل خيبر قبائل العرب والمشركين على قتال محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين.



بحث عن بحث