أولها وأعلاها: إخلاص النية لله سبحانه

 فطلب العلم من أجلّ العبادات، بل هو أفضل من نوافل الصلاة والصيام، فهو يفتقر إلى نية خالصة لله سبحانه؛ لأنه إذا فقد العلم إخلاص النية انتقل من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات، وما كان لله (دام واتصل) وما كان لغيره (انقطع وانفصل)، والعلم صيد وشِراكه النية، فمن صحّت نيته وحسن قصده، صاد من العلم دوره ونال منه عزوه، ومن فسدت نيته وساء قصده لم يصب من الصيد إلا أرذله، مما لا يقصده صائد، ولا يبشر به رائد، ومن كنوز السنة: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».

وبتصحيح النيات تدرك الغايات.

والسؤال: كيف تكون هذه النية؟

والجواب: بأن ينوي في طلبه للعلم التعبد لله سبحانه كما ينوي بصلاة النافلة ذلك التعبد، ثم أن يرفع الجهالة عن نفسه ثم عن الآخرين.

قيل للإمام أحمد :: كيف الإخلاص في طلب العلم؟

قال: أن ينوي رفع الجهالة عن نفسه.

يقول الشيخ محمد بن عثيمين :: «إذا قال قائل: بم يكون الإخلاص في طلب العلم؟ فالجواب في أمور:

1-  أن تنوي بذلك امتثال أمر الله، لأن الله تعالى أمر بذلك، فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19].

2- أنتنوي بذلك حفظ شريعة الله، لأن حفظ شريعة الله يكون بالتعلم، والحفظ فيالصدور، ويكون كذلك بالكتابة.

3- أنتنوي بذلك حماية الشريعة والدفاع عنها، لأنه لولا العلماء ما حميتالشريعة، ولا دافع عنها أحد.

4-أنتنوي بذلك اتباع شريعة محمد  صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا يمكن أن تتبعشريعته حتى تعلم هذه الشريعة). ا. هـ. بتصرف.

5- أن تنوي تصحيح عبادتك لله جل وعلا.

6- أن تنوي إنقاذ أسرتك من الجهالة.

7- أن تنوي تعليم مجتمعك وإنقاذه من الضلالة.

والإخلاص قد أمر الله به سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، ونص عليه رسوله  صلى الله عليه وسلم ، بل علّق قبول الأعمال عليه، قال تعالى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي}  [الزمر: 14]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 2].

وروى الشيخان عن عمر بن الخطاب ا قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».

وعن زيد بن ثابت ا قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «رحم الله امرءًا سمع مني حديثًا فحفظه حتى يبلّغه غيره، فربّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ورُبّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيه، ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم».

- والتعامل مع العلم قراءة وفهمًا، تعلمًا وتعليمًا، دعوة ونشرًا من أهم الأعمال الصالحة التي يرجى بها القرب من الله سبحانه وتعالى، فتحتاج حاجة عظيمة لتجريدها لله سبحانه وتعالى، فليقصد الطالب وجه الله سبحانه وتعالى مبتغيًا الأجر والمثوبة، وليحذر من أن ينحرف قصده إلى أي غرض دنيوي من طلب مال أو جاه أو شهرة، أو سمعة أو تميز على الأقران والزملاء، فإن فقدان الإخلاص وانتقال النية إلى أحد هذه النوايا ونحوها من أعظم آفات العلم والتعلم.

ولقد كان السلف الصالح يحملون همَّ الإخلاص، حتى كان أبو هريرة ا إذا حدث بحديث الثلاثة الذين أول من تسعَّر بهم النار يغشى عليه.

وكان سفيان الثوري : يقول: «ما عالجت شيئًا أشد عليّ من نيتي».

وكان بعضهم إذا قيل له حدِّثنا، قال: لا، حتى تأتي النية، وقال بعض السلف: وددت أن عبادتي بيني وبين الله، لا تراها عين، وقال بعض العلماء: «العلم صلاة السر وعبادة القلب».

فعلى طالب العلم أن يتمسك بالإخلاص، فإنه العروة الوثقى والبركة العظمى في مسيرته العلمية والعملية فيخلص نفسه من شوائب الشرك الأصغر وهو الرياء، ومن حب الظهور وقصم الظهور أو طلب محمدة، أو التفوق على الأقران أو صرف وجوه الناس إليه، فهذه وأمثالها تفسد النية وتمحق بركة العلم.



بحث عن بحث