الآداب كثيرة، ونصّ عليها أهل العلم، بل ألّف فيها مؤلفات، لكن نذكر هنا ما تكفي فيه الإشارة عن غيرها، ومن أهمها:

أ ـــ ملازمة خشية الله تعالى ومراقبته:

قال الإمام أحمد :: أصل العلم خشية الله تعالى.

قال الحسن: «كان الرجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وهديه ولسانه وبصره ويده». ويقول سفيان بن عيينة: «إذا كان نهاري نهار سفيه، وليلي ليل جاهل فما أصنع بالعلم الذي كتبت؟!».

وقد نص الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. ففيه إشارة إلى ضرورة الخشية التي تقود إلى العمل بهذا العلم.

فالخشية تضبط سير المتعلم، وتحفزه لطلب العلم، وتكون له ضابطًا لما يسمع ويقرأ.

ثم عليه أن يراقب الله تعالى في جميع حركاته وسكناته، فتضع له هذه المراقبة سياجًا يحميه عن الزلل والخطأ، ويرده إلى جادة الصواب، ومن لوازم تلك الخشية والمراقبة، العلم بهذا الدين وبما تعلمه المتعلم، محافظًا على شعائر الإسلام ظاهرها وباطنها. 

وإذا أراد الله بالعبد خيرا في بداية الطلب، كسر قلبه لخشيته، وبدأت تظهر أمارات الإخلاص على عمله وحركاته وسكناته، ولذلك قال بعض العلماء: لن يوفق الإنسان لتبليغ رسالة الله إلا بالخشية، وكلما وجدت الإنسان يصدح بالحق، فاعلم أن في قلبه من خشية الله على قدر ما وجدت فيه من الصدق والتبليغ لرسالة الله، قال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب: 39]، فقرن الله الخشية بالتبليغ للرسالة والأداء للأمانة، ولذلك لن يستطيع طالب علم أن يبلغ أمانته إلا بقوة خوف من الله، وكلما كمل خوفه كمل تبليغه لرسالة الله.

والخشية هي الخوف المبني على العلم والتعظيم، فالإنسان إذا علم الله حق العلم وعرفه حق المعرفة قام بطاعة الله ﻷ أتم قيام، ولهذا تجد أن الله يطرح البركة في علمه وعمله ويكون قدوة للناس، بخلاف العلم المجرد من التقوى والخشية فإنه قليل النفع عديم البركة.

وأول العلم «طفرة وغرور» وآخره «انكسار وخشية الله».

                         ولما عيب عند الإمام أحمد : معروف الكرخي اشتغاله بالعبادة، قال :: وهل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف!!.

                         يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: «رأيت أكثر العلماء مشتغلينبصورة العلم دون فهم حقيقته ومقصوده، فالقارئ مشغول بالروايات، والمحدث يجمع الطرق، ويحفظالأسانيد، والفقيه قد وقع في الجدال، وعلى هذا أكثر الناس، صورة العلم عندهم صناعة، فهي تكسبهم الكبر والحماقة، فليس العلم صور الألفاظ، إنما المقصودفهم المراد منه، وذلك يورث الخشية والخوف، ويرى المنة للمنعم بالعلم، وقوةالحجة له على المتعلم».

                         عن عبد الله بن الإمام أحمد قال: قلت بأبي: هل كان مع معروف الكرخي شيء من العلم؟ قال لي: يا بني كان معه رأس العلم، وهو خشية الله تعالى.

                         قال عبد الله بن مسعود ا: «ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية».

ب  ــــ الرفق واللين، وعدم الاستعجال في الطلب، فإن الله يحب الرفق في الأمر كله، وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما عدم من شيء إلا شانه.

ومن أراد أن يحمل العلم جملة واحدة، فسيضيعه جملة واحدة، والعلم كالرقي على الجبال العوالي، فمن أخذ يسير بسرعة وقف ولم يواصل، ومن مشى بالتؤدة والرفق وصل إلى القمة، وهكذا العلم، فمن أخذه برفق ولين وفائدة تلو أخرى فسيحصل خيرًا كثيرًا، قال أحدهم:

اليوم شيء وغـدًا مـثـله
يحصل المرء بها حكمة

  من نخب العلم التي تلتقط
إنـمـا السيل اجتماع النقـط

والله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، مع أنه قادر أن يقول: كن فيكون.

ومن طلب العلم في أيام وليال فقد طلب المحال، ومن حشا قلبه به شيئا فشيئا، سال واديه وأروى قاصديه، و«نهاية العجول تشتت وأفول»، ولذا كان من قواعد الأصول: «تقليل الدروس وإحكام الدروس»، وينبغي لطالب العلم أخذ العلم فنًا فنًا وشيئا فشيئا، فإن أفضل شيء أخذ الفن الواحد وإتقانه ثم يأخذ غيره، ولذا قال البعض:

وفي ترادف العلوم المنع جا

  إذ توأمان اجتمعا لن يخرجا

ومن الترفق في طلب العلم: إطالة الوقت في الطلب، فإن فيها خيرا كثيرا للطالب، وفي أبيات مشهورة للشافعي:

أخي لن تنال العلم إلا بستة
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة

  سأنبئك عن تفصيلها ببيان
وصحبة أستاذ وطول زمان

ففي الاستعجال جناية على العلم، «ومن تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه».

ومن الرفق في العلم: «أن لا يهتم الطالب في البداية بالتفصيلات»، لأن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضا، ومن اهتم بالدقائق في البداية فإنه ينسى كثيرا ولن يحصل علمًا راسخًا؛ لأنه لم يؤصل، ولم يبنِ القاعدة التي تؤخذ معها تلك التفاصيل،      وقد قال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ} [آل عمران: 79]، قال   أبو عبد الله البخاري في تفسير قوله: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}: «هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره».

فعلى طالب العلم: أن يرفق بنفسهفي الطلب، وبشيخه في الطلب والسؤال والوقت، وبزملائه، ويتأدب في خطابه وكلامه، فتألفه النفوس الطيبة ويألفها، ويحذر من الجفاء والغلظة، والكلمة النابية.

ج  ـــ الصبر والمصابرة: وهذا الأدب مهم جدًّا لطالب العلم في سيره في طلب العلم؛ لأن العلم لا بد فيه من المهانة، ولا بد فيه من التعب والنصب، ويدل على ذلك حديث عائشة ل –في قصة الوحي- فقد أخبرت ل أن جبريل أخذ النبي صلى الله عليه وسلم  فغطّه حتى بلغ منه ذلك المبلغ، يقول بعض العلماء: إن جبريل غط النبي صلى الله عليه وسلم  ثلاث مرات حتى رأى الموت – صلوات الله وسلامه عليه- وكان بالإمكان في أول مرة أن يقول له: اقرأ باسم ربك الذي خلق، قالوا: حتى يعرف طالب العلم أن العلم لا ينال إلا بالمهانة والتعب وبالنصب، وكان إذا نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم  بالوحي يتفصد عرقًا في اليوم الشديد البرد، وإذا كان على ناقة جثت الناقة، وأصاب عنقها الأرض من شدة ما يناله – عليه الصلاة والسلام-، فلا بد من الاختبار والابتلاء في طلب العلم، ولهذا «من كانت له بداية محرقة صارت له نهاية مشرقة»، ويقول شيخ الإسلام: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، وهذا كليم الله موسى عليه السلام لم يهدأ له بال ولم يستقر له قرار حتى يبلغ مكان العالم الذي ذكره الله له؛ الخضر عليه السلام حتى قال عليه السلام: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62]، فمشى مع غلامه يوشع بن نون حتى بلغ من التعب والنصب مبلغه {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف: 60]، ولما أظهر للخضر عليه السلام حرصه على العلم، وردّه الخضر بقوله: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 67]، فقال له موسى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: 69]، ولذا قالوا: «على قدر المشقة تكون من الله المعونة والمؤونة».

فيا طالب العلم! عليك بالثبات والتثبيت، «ومن ثبت نبت»، روى الخطيب البغدادي أن أحد طلبة الحديث رام طلبه ورغب فيه، وحضر عند الأشياخ وجلس مجالسهم، ثم لما مر عليه الزمن رأى أنه لم يستفد شيئا ولم يحصل كبير علم، فقال: إنني لا يناسبني هذا العلم، فترك العلم، قال: فلما كان ذات يوم، مرّ على صخرة يقطر عليها الماء قطرة تلو قطرة، وقد أثّر ذلك الماء على لطافته، أثّر في هذه الصخرة على قساوتها، فقال: ليس عقلي وقلبي بأقسى من هذا الحجر، وليس العلم ألطف من هذا الماء، فعزم على الرجوع إلى طلب العلم، فرجع وبلغ ونبغ وصار ممن يشار إليه فيهم، وقد قيل للإمام أحمد وقد ظهر الشيب فيه: إلى متى وأنت مع المحبرة؟ فقال كلمته المشهورة: «مع المحبرة إلى المقبرة»، وقد قيل: «حتى تتعلم لا بد أن تتألم».

عن يحيى بن كثير قال:

من طلب العلوم بغير كد

  سيدركها إذا شابتني الغراب

ذكر الإمام مسلم عن يحيى بن أبي كثير قال: «لا يستطاع العلم براحة الجسم».

ولذا يقول ابن الجوزي :: «صناعة العلم شغلتني عن تعلم الصناعة».

وهذا شعبة بن الحجاج : يرحل شهرا كاملا في طلب حديث سمعه من طريق لم يقف عليه.

فالعلم – يا طالب العلم- طريقه طويل، وهو بحر متلاطم لا ساحل له، ولا يمكن الغوص في هذا البحر والوصول إلى أعماقه إلا بالصبر، وقد حث الله تعالى على هذه الخصلة في كل شيء، ومن أهم الأمور التي لا بد لها من الصبر: طلب العلم، والدعوة إلى الله فمن صبر ظفر، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿33 وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿34 وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصلت:33-35]. وتدبر قوله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [غافر:55 ].

ويقول المتنبي:

وإذا كانت النفوس كبارا

  تعبت في مرادها الأجسام

ويقول:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

  وتأتي على قدر الكرام المكارم

ويقول:

وما في الكون شيء مستحيل

  ولا صعب على عزم الرجال

وقال الناظم:

لا تحسب المجد ثمرًا أنت آكله

  لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

          وعليك بالعزم والجد في الطلب «فإن العزم مركب الصادقين»، ومن لم تكن له عزيمة لم يفرح بغنيمته، فإن العزائم جلابة الغنائم، فاعزم تغنم، وإياك وأماني البطالين!.    

د ـــ التواضع وخفض الجناح، ونبذ الكبر والبطر والتعالي:

فإن من علامات العلم النافع: أن الإنسان كلما ازداد علمًا ازداد تواضعًا، ومن علامات شقاء العبد بعلمه أنه كلما ازداد علمًا ازداد تكبرًا واستعلاءً، وقال صلى الله عليه وسلم : «ما تواضع أحد لله إلا رفعه»، وإذا تواضع طالب العلم منذ بدايته للطلب فإنه أحرى أن يكون التواضع سجية فيه دون تكلف إذا بلغ مبلغ العلماء، وما أجمل العلم إذا زين صاحبه بالتواضع، فهو يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم  حينما أمره بهذه الخلة الكريمة، فقال سبحانه: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215].

إن كريم الأصل كالغصن كلما

  ازداد من خير تواضع وانحنى

فلا تترفع على أقرانك وزملائك، قال صلى الله عليه وسلم : «إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا».

قال بعض السلف: ما دخلت مجلسا أرى نفسي أصغر الناس إلا خرجت وأنا أعلاهم، ولا دخلت مجلسًا أرى نفسي أعلاهم إلا خرجت وقد وضعني الله أدناهم.

                         وكان العلماء يكثرون من الوصية بالتواضع؛ لأن العلم فيه طفرة وغرور.

                         يقول الدكتور بكر أبو زيد :: «احذر أن تكون أبا شبر، فقد قيل: العلم ثلاثة أشبار: من دخل في الشبر الأول تكبّر، ومن دخل في الشبر الثاني تواضع، ومن دخل في الشبر الثالث؛ علم أنه ما يعلم».

وكما قال الشاعر:

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر
ولا تك كالدخان يرفع نفسه

  على صفحات الماء وهو رفيع
إلى طبقات الجو وهو وضيع!

فالعلم يحتاج أن تتذلل له، فإذا تكبرت على العلم، وإذا تكبرت عن المسألة العلمية، وإذا تطاولت على معلمك ومرشدك، وإذا أنفت نفسك أن تنال العلم من زميلك، أو تعاليت عمن هو دونك، فاعلم أنك مجانب لطريق السلف في طلب العلم، وأوضح قدوة في ذلك أن كثيرًا من الصحابة رووا عن التابعين، والشافعي درس على أحمد الحديث وهو أصغر منه.

وكان ابن عباس ب يأخذ بركاب ناقة زيد بن ثابت ويقول: هكذا أمرنا باحترام علمائنا.

ومن تواضع لله رفعه، وقال القائل:

العلم حرب للفتى المتعالي

  كالسيل حرب للمكان العالي

هـ ــــ الحرص على اغتنام الأوقات وقوة الشباب:

عمر الإنسان مراحل يبدأ بضعف ثم قوة وينتهي إلى ضعف، والمؤمن من يغتنم أوقات قوته وشبابه، فإن هذا الوقت هو وقت التحصيل وحمل العلم، فالمحافظة على هذا الوقت فرصة غالية كم تمناها من فاتته ولكن هيهات، فاغتنمها لتصل إلى المعالي، وضاعف جدك واجتهادك، قال الحسن :: يا ابن آدم إنما أنت مجموعة أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك.

والله سبحانه وتعالى نوّه بأهمية الوقت كما هو معلوم، فالحذر الحذر! من ضياع الأوقات، فالعلم لا ينال بأجزاء من الوقت مقطعة، أو بوقت الكلل والتعب، أو بوقت الفراغ من الأعمال، فالعلم لا يقبل هذا، وقد قيل: أعط العلم كلك يعطيك بعضه، وأعطه بعضك لا يعطك شيئًا.

يقول الشيخ  بكر أبو زيد :: «استغلّ أوقات شرخ الشباب ومقتبل العمر ومعدن العافية، فاغتنم هذه الفرصة الغالية لتنال رتب العلم العالية، فإنها وقت جمع القلب واجتماع الفكر، لقلة الشواغل والصوارف عن التزامات الحياة والترؤس، ولخفة الظهر والعيال».

يقول عمر ا: «تفقهوا قبل أن تُسَوَّدوا» رواه البخاري تعليقا مجزومًا في كتاب العلم، ويقول الحسن: «طلب الحديث في الصغر كالنقش في الحجر».

و  ـــ المواصلة والاستمرار في طلب العلم :

فيواصل طالب العلم ولا يمل ولا يكل، فإذا تطرق إليه الملل قرأ في التاريخ والتراجم، ولا مانع من وضع فسحة بين وقت وآخر لتستعيد النفس نشاطها، يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ا: أجمعوا هذه القلوب وابتغوا لها طرائف الحكمة؛ فإنها تملّ كما تملّ الأبدان.

ومن المواصلة كذلك: أن يجعل للعلم أعزَّ أوقاته وأحلاها، والتي يكون فيها صفاء الذهن وقوته، ولا يجعل للعلم الأوقات التي كلّ فيها ذهنه، وضعف فيها فهمه، فهذا قد خالف ولم ينصح نفسه.

ز  ـــ العمل بالعلم :

فهو زكاة العلم وهو الثمرة منه، ولا ينفع بدونه، بل قد ذم الله تعالى الذين يقولون ما لا يفعلون، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿2 كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3] وقال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] وجاء الحث على العمل الصالح: {وَالْعَصْرِ ﴿1 إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿2 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر].

ولا يثبت العلم إلا بالعمل، ولا يزداد ويقوى إلا بالعمل، فإذا تعلمت سنة فاعمل بها، واحرص عليها، وإذا تعلمت خلقًا فاضلًا فتعامل به، وهكذا تحصل العلم بالعمل.

يقول ابن الجوزي: «لقيت مشايخ يتفاوتون في مقاديرهم في العلم، وكان أنفعهم «العامل منهم بعلمه» وإن كان غيره أعلم منه»، ويقول أيضا: «فالله الله في العمل بالعلم، فإنه الأصل الأكبر، والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به، ففاتته لذات الدنيا وخيرات الآخرة، فقدم مفلسًا مع قوة الحجة عليه».

ولهذا فإن من علامات العلم النافع: العمل به؛ لأن العمل هو ثمرة العلم وإلا فهو وبال وحجة على صاحبه:

وعالم بعلمه لم يعملَن

  معذب من قبل عباد الوثن

العمل بالعلم كمال للإنسان، وأكثر ما يعين على ضبطه ورسوخه، ووضع البركة فيه، ولذا تجد بعض طلاب العلم إذا رأيتهم ذكّرتك بالله رؤيتهم، وذلك لعملهم بعلمهم، فصاروا قدوة بأفعالهم قبل أن يصيروا قدوة بأقوالهم، قال بعض السلف: «هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل».

وقالوا في الحكمة: (اعمل بالحديث مرة تكن من أهله) فمن عمل بما علم، ورّثه الله علم ما لم يعلم، وكم من سنن أحييت لما خرج طلاب العلم فنشروها أمام الأمة بلسان الحال قبل المقال، وروي عن عطاء أنه قال: كان فتًى يختلف إلى أم المؤمنين عائشة ل فيسألها وتحدثه، فجاءها ذات يوم يسألها فقالت: يا بني عملت بعد ما سمعت مني؟ فقال: لا والله يا أماه، فقالت: يا بني فيما تستكثر من حجج الله علينا وعليك؟

فالله الله يا طالب العلم بالعمل، فالعمل العمل حتى لا يكون العلم حجة عليك.



بحث عن بحث