الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن من نعم الله العظيمة وآلائه الجسيمة علينا جميعًا أن خلقنا في أحسن تقويم, وأورثنا خلافة الأرض, وجعلنا خير أمة أخرجت للناس, وشرع لنا أفضل شرائع دينه، وأرسل إلينا أكرم رسله، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فمن أراد أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فعليه أن يتبع شريعته، ويدخل في دينه؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [سورة البقرة: 208]، وإن الدين عند الله الإسلام، كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [سورة آل عمران:19]، ومن ابتغى غيره فهو من الخاسرين، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}  [سورة آل عمران:85].

فهذا الدين دين كامل وشامل، ويتميز عن سائر الأديان والنظم والنظريات في القديم والحديث بما لديه من مصادر موثقة للتشريع، تلك المصادر التي تستمد قوة بقائها وصلاحيتها من الله تعالى، ورأس هذه المصادر الكتاب والسنة.

ومن هنا فقد ندب الله تعالى إلى الدعوة إلى هذا الدين عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا، وجعل هذه الدعوة مبنيةً على هذين المصدرين، فعلى الداعي أن يستهدي بهما، ويستنير بهما في مسيرته الدعوية حتى لا يضل الطريق, وتضيع جهوده فتكون هباءً منثورًا.

وبما أن الله قد تكفَّل لهذا الدين بحفظ مصدريه الأساسيين؛ الكتاب والسنة، فلا يشينه كيد الكائدين، ولا انتحال المبطلين، ولا يضره من خذله, ولا من عاداه؛ فهذا الدين باقٍ إلى يوم القيامة، كما جاء في الحديث: عن جابر بن سمرة، عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «لن يبرح هذا الدين قائمًا يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة»، وفي رواية ثوبان: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق, لا يضرهم من خذلهم, حتى يأتي أمر الله وهم كذلك».

وإذا طرأ عليه التغيير أو التبديل، أو حاول دعاة الشر وأعداء الدين النيل منه، أو الإنقاص منه، أو الزيادة عليه والإحداث فيه ما ليس منه, أو مسخه والتشويه من صورته، يقيِّض الله تعالى من عباده العلماء الصالحين من يميِّزون بين الصحيح والسقيم، وبين الغثِّ والسمين, فيظهرونه للناس أبيض نقيًا كالشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب؛ كما جاء في الحديث: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، ومن هنا اخترنا هذا الحديث ليكون موضوع بحثنا في هذا الكتاب.

ولما كان الأمر كذلك؛ كان لا بد من إيضاح المنهج والطريق للتجديد، ومن هو المجدد؟ وما هي الصفات التي يجب أن يتحلّى بها المجدد؟ وما ماهية التجديد؟ وهل يلزم أن يكون كليًّا أو في جانب من الجوانب؟ فجاءت هذه الكلمات مبيِّنةً معالم هذا الأصل بشيء من الإيجاز، مُسْتَخْلَصَةً من كلام الأئمة الأعلام رحمهم الله تعالى، وتأتي هذه الأهمية العظيمة في مثل هذه الأوقات الحرجة التي توالت فيها المحن والشدائد على الأمة، واختلطت فيها المفاهيم بين غلوٍ وتقصيرٍ، وإفراطٍ وتفريطٍ، فوجب البيان مستندًا لحديث الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام. لكي يرجع الضالّ إلى الرشد، والمفرط إلى الصواب، فيختار منهجًا بين الغلو والتقصير، وبين الإفراط والتفريط، فخير الأمور أوسطها.

أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الكلمات, وأن يجعلها تنير الدرب للدعاة، آخذة بيدهم إلى المنهج القويم، منهج النبي صلى الله عليه وسلم  وسلف الأمة الصالحين، حقَّق الله الآمال، وسدَّد الخطى، وعلَّمنا ما ينفعنا، ونفعنا بما علَّمنا إنه عليم حكيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه

أ. د. فالح بن محمد بن فـالح الصغيّر

المشرف العام على موقع شبكة السنة وعلومها

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.



بحث عن بحث