n    التجديد لغةً:

قال الرازي: «جدّ» الشيء، «يجِدّ» «جدّة» بكسر الجيم فيهما، صار جديدًا، وهو نقيض الخلق... و«تجدّد» الشيء صار جديدًا، و«أجدّه» و«جدّده» و«استجدّه» أي: صيّره جديدًا.

وقال الفيروزآبادي: «الجدّ ضد البلى، جدّ يجِدّ فهو جديد، وأجدّه وجدّده واستجدّه صيّره جديدًا فتجدّد».

وقال ابن منظور: «تجدّد الشيء صار جديدًا، وأجدّه وجدّده واستجدّه أي: صيّره جديدًا».

و«التجديد» مصدر من الفعل «جدّد»، أي: صيّره جديدًا، وكذلك «أجدّه» و«استجده».

فنرى في هذه المعاني اللغوية بأنها تدل على نقيض الخلق، والبلى، وإعادة الشيء إلى ما كان، وإبعاد عنه ما علق به من غيره.

n    التجديد اصطلاحًا:

ليس هناك تعريف محدد ذكر في نصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف بالمعنى الاصطلاحي لكلمة «تجديد»، بل هناك إشارات ودلالات إلى المفهوم العام، والسبب في ذلك أن معنى التجديد كان واضحًا في أذهانهم، فلذلك نراهم يتكلمون عن تعداد المجددين وتسميتهم كثيرًا، ولكن لا نراهم يتطرقون إلى تعريف التجديد, وبيانه من حيث هو مصطلح معروف كما تطرقوا إلى المصطلحات الأخرى المعروفة، والسؤال الذي كان عالقًا في أذهانهم لم يكن ما هو التجديد؟ بقدر ما كان من هو المجدد لكل قرن؟ ومع ذلك نلمح في أقوالهم ما يشير إلى معنى التجديد في ثنايا الكلام. فإليكم بعض أقوال السلف:

يقول الصعلوكي: «أعاد الله هذا الدين بعد ما ذهب، يعنى أكثره بأحمد بن حنبل، وأبي الحسن الأشعري، وأبي نعيم الاسترآبادي».

وقال العلقمي: «مَعْنَى التَّجْدِيد إِحْيَاء مَا انْدَرَسَ مِن العَمَل بِالكِتَابِ وَالسُّنَّة، وَالأَمْر بِمُقْتَضَاهُمَا».

وقال المناوي: «يجدد لها دينها: أي يبين السنة من البدعة، ويكثر العلم، وينصر أهله، ويكسر أهل البدعة ويذلهم -قالوا- ولا يكون إلا عالمًا بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة».

ويقول العظيم آبادي: «قَدْ عَرَفْت مِمَّا سَبَقَ أَنَّ المُرَاد مِن التَّجْدِيد إِحْيَاء مَا انْدَرَسَ مِن العَمَل بِالكِتَابِ وَالسُّنَّة, وَالأَمْر بِمُقْتَضَاهُمَا، وَإِمَاتَة مَا ظَهَرَ مِن البِدَع وَالمُحْدَثَات».

وفِي مَجَالِس الأَبْرَار: «وَالمُرَاد مِنْ تَجْدِيد الدِّين لِلأُمَّةِ إِحْيَاء مَا انْدَرَسَ مِن العَمَل بِالكِتَابِ وَالسُّنَّة وَالأَمْر بِمُقْتَضَاهُمَا.

وَإِنَّمَا كَانَ التَّجْدِيد عَلَى رَأْس كُلّ مِائَة سُنَّة لِانْخِرَامِ العُلَمَاء فِيهِ غَالِبًا, وَانْدِرَاس السُّنَن وَظُهُور البِدَع, فَيُحْتَاج حِينَئِذٍ إِلَى تَجْدِيد الدِّين, فَيَأْتِي الله تَعَالَى مِن الخَلق بِعِوَضٍ مِن السَّلَف إِمَّا وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا».

ومن المعاصرين قال الدكتور محمود الطحان: إن المراد بالتجديد الوارد في الحديث النبوي هو: «بيان ما اندرس من معالم السنن، ونشرها وحمل الناس على العمل بها، وقمع البدع وأهلها، والعودة بالمسلمين إلى ما كان عليه الرعيل الأول من المسلمين على يد خليفة من الخلفاء الراشدين، أو على يد عدد من المصلحين، كل واحد منهم في ناحيته، أو على جماعة مصلحة تقوِّم الاعوجاج الذي حصل، وتنفض الغبار الذي ألمَّ بواقع المسلمين من انحراف عن منهج الله القويم، ويكون ذلك كل مائة سنة من الزمان؛ لأنها مدة طويلة يعود الناس فيها إلى الاعوجاج، وتظهر في تلك المدة الانحرافات عن دين الله سبحانه».

ويقول الشيخ بسطامي سعيد: «ولا ريب أن مفهوم التجديد السليم هو الذي كان يقصده النبي  صلى الله عليه وسلم  حين أعلن لأصحابه رضوان الله عليهم عن نبوءة بعث مجدد لكل قرن، وأحق الناس بتوضيح هذا المفهوم هم السلف الذين تلقوا هذا الحديث ونقلوه للأجيال اللاحقة لفظًا ومعنىً». ثم سرد أقوال السلف في معنى التجديد، إلى أن وصل في آخر كتابه إلى النتيجة التالية:

«المفهوم السليم هو المفهوم السنّي الذي كان في ذهن النبي  صلى الله عليه وسلم  حين قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وأحق من أدرك هذا المفهوم هم السلف، وبالنظر في آرائهم وتعريفاتهم يتضح: أن التحديث الحق هو السعي للتقريب بين واقع المجتمع المسلم في كل عصر، وبين المجتمع النموذجي الأول الذي أنشأه الرسول  صلى الله عليه وسلم ؛ وكما يكون ذلك بإحياء مفاهيم ذلك المجتمع وتصوراته للدين، وإحياء مناهجه في فهم النصوص وبيان معانيها، وإحياء مناهجه في التشريع والاجتهاد، وإحياء مناهجه في تدوين العلوم وتكوين نظم الحياة، واقتباس النافع الصالح من كل حضارة، يكون أيضًا بتصحيح الانحرافات النظرية، والفكرية، والعملية، والسلوكية، وتنقية المجتمع من شوائبها».

وبعبارة مختصرة يمكن أن نعرّف التجديد مستخلصًا من الأقوال السابقة بأن: تجديد الدين هو: «إعادته إلى ما كان عليه في عهد النبي  صلى الله عليه وسلم  وأصحابه»، أو بعبارة أخرى: «تجديد الدين هو إحياء معالم الدين في نفوس الناس وفي حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، أو بعضها بما يتفق مع الكتاب والسنة».



بحث عن بحث