التجديد يناقض الابتداع:

البدعة: هي ما يحدث في الدين مما ليس له دليل في الشريعة، قال ابن رجب: والمراد بالبدعة: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، فأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه، فليس ببدعةٍ شرعًا، وإن كان بدعةً لغةً... كقول عمر لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك، فقال: «نعمت البدعة هذه».

ومراده: أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصول من الشريعة يرجع إليها، فمنها: أن النبي  صلى الله عليه وسلم  كان يحث على قيام رمضان، ويرغب فيه، وكان الناس في زمنه يقومون في المسجد جماعاتٍ متفرقةً ووحدانًا، وهو  صلى الله عليه وسلم  صلّى بأصحابه في رمضان غير ليلةٍ، ثم امتنع من ذلك معللًا بأنه خشي أن يكتب عليهم، فيعجزوا عن القيام به، وهذا قد أمن من بعده  صلى الله عليه وسلم  .

يقول الشاطبي: «البدعة الحقيقية هي التي لم يدل عليها دليل شرعي لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم، لا في الجملة ولا في التفصيل، ولذلك سميت بدعة؛ لأنها شيء مخترع على غير مثال سابق، وإن كان المبتدع يأبى أن ينسب إليه الخروج عن الشرع؛ إذ هو مدعٍ أنه داخل بما استنبط تحت مقتضى الأدلة، لكن تلك الدعوى غير صحيحة لا في نفس الأمر ولا بحسب الظاهر، أما بحسب نفس الأمر فبالعرض، وأما بحسب الظاهر فإن أدلته شبه ليست بأدلة».

وقد جاء نهي عن الابتداع في الدين، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله  صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»، وفي رواية عنها: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد».

يقول ابن رجب: «هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أن حديث: «الأعمال بالنيات»، ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء».

وعن العِرْبَاض بن سارية قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله  صلى الله عليه وسلم  ذَاتَ يَوْمٍ, ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا, فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ, وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ, فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله! كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا, فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ المَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ, تَمَسَّكُوا بِهَا, وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ, وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».

ومن الأحاديث السابقة يتضح أن البدعة تخالف التجديد؛ لأن التجديد عبارة عن الإعادة والإحياء، بينما الابتداع إحداث واختراع وابتداء، فتبين أن الابتداع والتجديد ضدان لا يجتمعان؛ فالتجديد تشييد لصرح الحياة على أصول الدين، وبناء شعبه على أسسه، وإعمال لنصوص الشرع، وقواعده الكلية، وتحقيق لمقاصده العامة، وفي حين أن الابتداع إلصاق ما ليس من الدين به، وإدخال عنصر غريب عنه فيه، وإذا كان التجديد تصحيحًا للدين، فالابتداع تحريف للدين، بل هو من أكبر أنواع التحريف للدين.

وبعد: في نهاية هذه الوقفة لعلنا نذكر خلاصة مفهوم التجديد:

1- إن تجديد الدين هو السعي لإحيائه وبعثه وإعادته إلى ما كان عليه في عهد السلف الأول.

2- ومن ضرورات التجديد: حفظ نصوص الدين الأصلية صحيحةً نقيةً حسب الضوابط والمعايير التي وضعت لذلك.

3- ومن مستلزمات التجديد: سلوك المنهج السليم لفهم نصوص الدين، وتلقي معانيها من الشروح المأثورة عن السلف الصالح.

4- وغاية التجديد: جعل أحكام الدين نافذةً مهيمنةً على أوجه الحياة، والمسارعة لرأب الصدع في العمل بها، وإعادة ما ينقض من عراها.

5- ومن توابع ذلك الاجتهاد، وهو وضع الحلول الإسلامية لكل طارئٍ، وتشريع الأحكام لكل حادث ونازل.

6-  ومن خصائص التجديد: تمييز ما كان من الدين وما يلتبس به، وتنقية الدين من الانحرافات والبدع، سواء كانت هذه الانحرافات ناتجةً من عوامل داخلية في المجتمع المسلم، أو كانت بتأثيرات خارجية.

7-  ومن التجديد: العمل على نشر السنن، وإظهار ما اندرس منها.

هذا هو المفهوم الواضح عن معنى التجديد في الحديث بما تدل عليه مجموع الأدلة من الكتاب والسنة، وما عليه العمل عند السلف، وهو في مجمله: سعي للتقريب بين واقع المجتمع المسلم في كل عصرٍ، وبين النموذج المثالي للدين الذي كان في العهد النبوي وعهد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.



بحث عن بحث