وتتبين أهمية الأعمال التي يتعدى نفعها بمعرفة ما كان عليه رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وهو سيد ولد آدم، وما كان عليه السلف الصالح من القيام بالأعمال التي تنفع الآخرين؛ فرسول الله  صلى الله عليه وسلم  قد سخر حياته كلها لنفع الآخرين؛ بل إن بعثته عليه الصلاة والسلام لهداية الخلق أجمعين، ومع ذلك كان يقوم بما ينفع الآخرين بأشياء قد يظن بعض الناس أنها من الأعمال الصغيرة التي لا يلتفت إليها ولا يهتم بها إلا صغار القوم.

×    فعن بنتٍ لخباب قالت: خرج خباب في سرية، وكان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يتعاهدنا حتى كان يحلب عنزًا لنا؛ فكان يحلبها في جفنة لنا فكانت تمتلئ حتى تطفح، قالت: فلما قدم خباب حلبها فعاد حلبها إلى ما كان، فقلنا لخباب: كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يحلبها حتى تمتلئ جفنتنا فلما حلبتها نقص حلابها.

وهكذا كان السلف الصالح من بعده عليه الصلاة والسلام، فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه  يحلب للحي أغنامهم، فلما استخلف قالت جارية منهم: الآن لا يحلبها، فقال أبو بكر: بلى وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله.

وكان عمر يتعاهد الأرامل فيستقي لهن الماء بالليل، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة فدخل إليها طلحة نهارًا، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدني، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك طلحة! عثرات عمر تتتبع؟!

وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهم كل يوم، فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن.

وقال مجاهد: صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه؛ فكان يخدمني.

×    وعن محمد بن كعب القرظي: أن أبا قتادة كان له على رجل دين وكان يأتيه يتقاضاه فيختبئ منه، فجاء ذات يوم فخرج صبي فسأله عنه فقال: نعم هو في البيت يأكل خزيرة، فناداه: يا فلان! اخرج فقد أُخبِرتُ أنك ها هنا، فخرج إليه فقال: ما يغيبك عني؟ قال: إني معسر وليس عندي، قال: آلله إنك معسر؟ قال: نعم، فبكى أبو قتادة ثم قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول: «من نفّس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة».



بحث عن بحث