أهم المصالح المراعاة بها في الشريعة خمسة

 

اتضح مما سبق أن الحاجيات الضرورية لجميع بني آدم خمسة، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ النسل والعرض، كما مر ذكرها من كلام الشاطبي رحمه الله، فالشريعة قد أولت اهتماماً كبيراً بحفظها ورعايتها، بل اعتنى بها جميع الشرائع السماوية، وأجمع عقلاء البشر على رعايتها؛ لأنه بالحفاظ عليها يضمن بقاء النوع البشري على هذه المعمورة لتأدية وظيفته في عبادة الله وعمارة الأرض. وسنتكلم عنها بشيء من الإيجاز فيما يلي:

 

 

1.     حفظ الدين: من أعظم المقاصد في الشريعة حفظ الدين؛ لأنه بدونه يعيش الإنسان عيشة البهائم، كما قال تعالى عن الكفار: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ﴾ [سورة محمد: 12]، وأمر الناس أن يدخلوا في هذا الدين ويعبدوا الله وحده، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [سورة البقرة: 21]، ثم أمرهم أن يدخلوا فيه كافةً؛ كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ [سورة البقرة: 208].

 

وقد دعا نبينا محمد ﷺ الناس إلى هذا الدين، وتحمل الأذى في سبيله، حتى اجتمعت له جماعة من الصحابة الذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، وقد ابتلي أصحابه أيضاً بأنواع من الأذى من المشركين، فأمرهم بالهجرة إلى المدينة، ثم هاجر بنفسه إليها، وهناك حصلت له شوكة وقوة، فأقام الدولة الإسلامية على قواعد الشريعة، ثم جاهد في سبيل إعلاء كلمته امتثالاً لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [سورة التوبة: 73]، وأمر أصحابه أن يبذلوا الغالي والنفيس لأجله؛ فجاهد أصحابه في سبيل إعلاء هذا الدين حق جهاده امتثالاً لقوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [سورة التوبة: 29].

 

وبذل النبي ﷺ وأصحابه في حفظ هذا الدين ما فيه قصارى جهودهم، حيث تعلموه وعلَّموه الناس ودعوا الآخرين إليه، وتحملوا الأذى في سبيله، والدين ما لم تكن له حماية تدفع عنه الأذى، وشكوك المشككين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وتحريف الغالين، قد يحصل لصاحبه ضرر، وقد يصرفه عن هذا الدين؛ لذا شرع الله الدعوة والجهاد في سبيل الله، حتى تكون كلمة الله هي العليا، وحتى يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة البشر إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها وسعادة الآخرة؛ لذا وجب على الولاة والعلماء والدعاة إقامة شرع الله على عباد الله، والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.



بحث عن بحث