الشريعة جاءت لمصالح العباد

 

والشريعة الغراء جاءت لمصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، فقد أنزل الله على عبده ونبيه محمد ﷺ شريعة كاملة وشاملة تراعي تلك المصالح العائدة عليهم في دنياهم وأخراهم، قال تعالى مبينًا هذه الحقيقة: ﴿ رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [سورة النساء: 165]. وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنبياء: 107]. وقال تعالى: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [سورة المائدة:6].

 

فأخبر سبحانه وتعالى أنه لم يأمرهم بذلك حرجًا عليهم وتضييقًا ومشقةً؛ ولكن إرادة تطهيرهم وإتمام نعمته عليهم ليشكروه على ذلك، فله الحمد كما هو أهله، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ [سورة النساء: 28]، وقال في الصيام: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٨٣﴾ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة: 183-184].

 

وقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [سورة البقرة: 185]. وقال تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ﴾ [سورة البقرة: 187]. وقال في الصلاة: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [سورة العنكبوت: 45]. وقال في القصاص: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [سورة البقرة: 179].

 

 

وفي الحديث قوله ﷺ: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ»(1)، وقوله ﷺ: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا»(2)، وقوله ﷺ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِن الدُّلجَةِ»(3)، وقوله ﷺ: «لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ«(4)

وهذا اليسر والسماحة جلي في حديث الأعرابي الذي نحن بصدده، حيث نهى النبي ﷺ أصحابه عن قطع البول على الأعرابي؛ لأن في المنع من بوله إضراراً به، فراعى النبي ﷺ مصلحته ودرء المفسدة عنه ورفع المشقة والحرج عنه.

وكما ورد في حديث آخر أن النبي ﷺ نهى الصحابة عن قطع البول على الحسن أو الحسين؛ لما في ذلك من الإضرار على الصبي، ففي المسند عَنْ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللّٰـهِ ﷺ وَعَلَى بَطْنِهِ الحَسَنُ أَو الحُسَيْنُ، شَكَّ زُهَيْرٌ قَالَ: فَبَالَ حَتَّى رَأَيْتُ بَوْلَهُ عَلَى بَطْنِ رَسُولِ اللّٰـهِ ﷺ أَسَارِيعَ قَالَ: فَوَثَبْنَا إِلَيْهِ قَالَ: فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: دَعُوا ابْنِي أَوْ لَا تُفْزِعُوا ابْنِي. قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ (5) الحديث

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع الترمذي، كتاب الطهارة، باب: ما جاء في البول يصيب الأرض، برقم: (147)، ص: 41, وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

(2) صحيح البخاري،كتاب العلم، باب: ما كان النبي ﷺ يتخولهم بالموعظة والعلم، برقم: (69)، ص: 17.

(3) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: الدين يسر، برقم: (39)، ص: 9-10.

(4) مسند الإمام أحمد، برقم: (25962)، 43/115. وإسناده حسن.

(5) مسند الإمام أحمد، برقم: (19057), 31/403, وإسناده صحيح.



بحث عن بحث