حكم إنكار المنكر

     

 حكم إنكار المنكر: إِنَّ الْأَمْر بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن المُنْكَر فَرْض كِفَايَة إِذَا قَامَ بِهِ بَعْض النَّاس سَقَطَ الْحَرَج عَن الْبَاقِينَ، وَإِذَا تَرَكَهُ الْجَمِيع أَثِمَ كُلّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ وَلَا خَوْف. ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَتَعَيَّن كَمَا إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْلَم بِهِ إِلَّا هُوَ، أَوْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِزَالَته إِلَّا هُوَ، وَكَمَنْ يَرَى زَوْجَته أَوْ وَلَده أَوْ غُلَامه عَلَى مُنْكَر أَوْ تَقْصِير فِي المَعْرُوف؛ قَالَ الْعُلَمَاء رَضِيَ الله عَنْهُمْ: وَلَا يَسْقُط عَن المُكَلَّف الْأَمْر بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن المُنْكَر لِكَوْنِهِ لَا يُفِيد فِي ظَنِّهِ بَلْ يَجِب عَلَيْهِ فِعْلُهُ؛ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَع المُؤْمِنِينَ. وَكَمَا قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [سورة العنكبوت: 18]، وَمَثَّلَ الْعُلَمَاءُ هَذَا بِمَنْ يَرَى إِنْسَانًا فِي الْحَمَّام أَوْ غَيْره مَكْشُوفَ بَعْضِ الْعَوْرَةِ وَنَحْو ذَلِكَ. وَالله أَعْلَم.

 

      وَلَا يُشْتَرَط فِي الْآمِر وَالنَّاهِي أَنْ يَكُون كَامِل الحَال؛ مُمْتَثِلًا مَا يَأْمُر بِهِ، مُجْتَنِبًا مَا يَنْهَى عَنْهُ، بَلْ عَلَيْهِ الْأَمْر وَإِنْ كَانَ مُخِلًّا بِمَا يَأْمُر بِهِ، وَالنَّهْي وَإِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِمَا يَنْهَى عَنْهُ; فَإِنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ شَيْئَانِ أَنْ يَأْمُر نَفْسه وَيَنْهَاهَا، وَيَأْمُر غَيْره وَيَنْهَاهُ، فَإِذَا أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا كَيْف يُبَاح لَهُ الْإِخْلَال بِالْآخَرِ؟

 

      المسؤولية على من؟ قال النووي: وَلَا يَخْتَصُّ الْأَمْر بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن المُنْكَر بِأَصْحَابِ الْوِلَايَات بَلْ ذَلِكَ جَائِز لِآحَادِ المُسْلِمِينَ. قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: وَالدَّلِيل عَلَيْهِ إِجْمَاع المُسْلِمِينَ; فَإِنَّ غَيْر الْوُلَاة فِي الصَّدْر الْأَوَّل، وَالْعَصْر الَّذِي يَلِيه كَانُوا يَأْمُرُونَ الْوُلَاة بِالمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَهُمْ عَن المُنْكَر، مَعَ تَقْرِير المُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ، وَتَرْكِ تَوْبِيخهمْ عَلَى التَّشَاغُل بِالْأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن المُنْكَر مِنْ غَيْر وِلَايَة. وَالله أَعْلَم.

 

قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ الله: وَيَسُوغ لِآحَادِ الرَّعِيَّة أَنْ يَصُدَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَة وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِع عَنْهَا بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْر إِلَى نَصْبِ قِتَال وَشَهْر سِلَاح. فَإِن انتَهَى الأمْر إِلَى ذَلِكَ رَبَطَ الْأَمْر بِالسُّلْطَانِ.

ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا يَأمُر وَيَنْهَى مَنْ كَانَ عَالِمًا بِمَا يَأمُر بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ; وَذَلِكَ يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الشَّيْء; فَإِنْ كَانَ مِن الْوَاجِبَات الظَّاهِرَة، وَالمُحَرَّمَات المَشْهُورَة كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام وَالزِّنَا وَالْخَمْر وَنَحْوهَا، فَكُلّ المُسْلِمِينَ عُلَمَاء بِهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ دَقَائِق الأفْعَال وَالأقْوَال وَمِمَّا يَتَعَلَّق بالاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَوَامِّ مَدْخَل فِيهِ، وَلَا لَهُمْ إِنْكَاره، بَلْ ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ.

 

      الإنكار على المسائل الفقهية المختلف فيها: قال النووي: ثُمَّ الْعُلَمَاء إِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا أُجمِعَ عَلَيْهِ، أَمَّا المُخْتَلَف فِيهِ فَلَا إِنْكَار فِيهِ؛ لأنَّ عَلَى أَحَد المَذْهَبَيْنِ كُلّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. وَهَذَا هُوَ المُخْتَار عِنْد كَثِيرِينَ مِن المُحَقِّقِينَ أَوْ أَكْثَرهمْ. وَعَلَى المَذْهَب الآخَر المُصِيب وَاحِد وَالمُخْطِئ غَيْر مُتَعَيَّن لَنَا، وَالْإِثم مَرْفُوع عَنْهُ، لَكِنْ إِنْ نَدَبَهُ عَلَى جِهَة النَّصِيحَة إِلَى الْخُرُوج مِن الْخِلَاف فَهُوَ حَسَن مَحْبُوب مَنْدُوب إِلَى فِعْلِهِ بِرِفْقٍ; فَإِنَّ الْعُلَمَاء مُتَّفِقُونَ عَلَى الْحَثّ عَلَى الْخُرُوج مِن الْخِلَاف إِذَا لَمْ يَلْزَم مِنْهُ إِخْلَال بِسُنَّةٍ أَوْ وُقُوعٍ فِي خِلَاف آخَر.

 

      اختيار الأسلوب الأمثل في الإنكار: وَيَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَن المُنْكَر أَنْ يَرْفُق لِيَكُونَ أَقْرَب إِلَى تَحْصِيل المَطْلُوب. فَقَدْ قَالَ الإمَام الشَّافِعِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ: «مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ وَزَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَة فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ». وَمِمَّا يَتَسَاهَل أَكْثَر النَّاس فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَاب مَا إِذَا رَأَى إِنْسَانًا يَبِيع مَتَاعًا مَعِيبًا أَوْ نَحْوه فَإِنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَلَا يُعَرِّفُونَ المُشْتَرِي بِعَيْبِهِ، وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ. وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَى مَنْ عَلِم ذَلِكَ أَنْ يُنْكِر عَلَى الْبَائِع، وَأَنْ يُعْلِم المُشْتَرِي بِهِ. وَالله أَعْلَم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



بحث عن بحث