علاج هذه العوائق والعقبات

 

فقد ذكرنا فيما سبق بعض العوائق والعقبات في طريق الدعوة، وأشير هنا لبعض الطرق النافعة، والوسائل الناجحة لعلاجها؛ ليستعين بها الداعية ــ بعد توفيق الله تعالى ــ لتجاوز هذه العقبات، منها:

 

•       الارتباط بالله تعالى دائماً وأبداً: الارتباط بالله تعالى زاد يتقوى به الداعية في سيرته الدعوية وفي تجاوز العراقيل والعقبات في سبيل الدعوة، فقد أمر تعالى بالاستعانة بالصلاة في المصائب والبليات في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [سورة البقرة:153]. وفي قوله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [سورة البقرة :45]

وأمر نبيه بقيام الليل لتحمل أعباء النبوة وليستعين به على تجاوز العقبات في سبيل الدعوة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿١﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٢﴾ نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿٣﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴿٤﴾ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴿٥﴾ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴿٦﴾ إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا ﴿٧﴾ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ﴿٨﴾ رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴿٩﴾ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ [سورة المزمل:1-10]

 

قال صاحب الأضواء: «ففيه إرشاد إلى ما يقابل هذا الثقل فيما سيلقى عليه من القول، فهو بمثابة التوجيه إلى ما يتزود به لتحمل ثقل أعباء الدعوة والرسالة«(1)

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعين بالعبادات، وبالأخص الصلاة, في مسيرته الدعوية؛ فنراه كلما حدث له حادث بادر إلى الصلاة، كما جاء في الحديث: عَن حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى(2)

 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجد اللذة والراحة في الصلاة، فعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ:- قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ مِن خُزَاعَةَ- لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ, فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله غ يَقُولُ: يَا بِلَالُ أَقِم الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا(3)

قال صاحب عون المعبود في شرح الحديث: قَالَ فِي النِّهَايَة: أَيْ نَسْتَرِيح بِأَدَائِهَا مِن شُغْل الْقَلْب بِهَا, وَقِيلَ كَانَ اِشْتِغَاله بِالصَّلَاةِ رَاحَة لَهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَعُدّ غَيْرهَا مِن الْأَعْمَال الدُّنْيَوِيَّة تَعَبًا فَكَانَ يَسْتَرِيح بِالصَّلَاةِ لِمَا فِيهَا مِن مُنَاجَاة الله تَعَالَى, وَلِهَذَا قَالَ «وَجُعِلَتْ قُرَّة عَيْنِي فِي الصَّلَاة » وَمَا أَقْرَب الرَّاحَة مِن قُرَّة الْعَيْن(4)

وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: حُبِّبَ إِلَيَّ مِن الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ, وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ(5)

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى ويطيل القيام حتى تورمت قدماه، ومع ذلك لا يحس التعب بل يجد اللذة والراحة، وإذا نبهه على ذلك أحد كان يقول: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ فعَنْ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ ا يَقُولُ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ, فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟(6)

 

ولعظمة هذا الأمر ــ الاستعانة بالصلاة ــ كان يحث أهله على القيام بها، فقد جاء في الحديث أنه استيقظ ليلةً من نومه وأمر بإيقاظ زوجاته للعبادة لنزول الفتن، فعن هِنْد بِنْت الحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ل قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: سُبْحَانَ الله مَاذَا أُنْزِلَ مِن الخَزَائِنِ! وَمَاذَا أُنْزِلَ مِن الْفِتَنِ! مَن يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجَرِ؟ يُرِيدُ بِهِ أَزْوَاجَهُ حَتَّى يُصَلِّينَ. رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ(7)

قال الحافظ في الفتح: وَفِي الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب الْإِسْرَاع إِلَى الصَّلَاة عِنْد خَشْيَة الشَّرّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا حَزَبَهُ أَمْر فَزِعَ إِلَى الصَّلَاة, وَأَمَرَ مَن رَأَى فِي مَنَامه مَا يَكْرَه أَنْ يُصَلِّيَ(8)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تتمة أضواء البيان للشيخ عطية محمد سالم، 8/613.      

(2) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب: وقت قيام النبي غ من الليل، برقم: (1319).

(3) سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب: في صلاة العتمة، برقم: (4985). ومسند أحمد  (5/364).

(4) عون المعبود شرح سنن أبي داود، للعظيم آبادي، 13/330.

(5) سنن النسائي، كتاب: عشرة النساء، باب: حب النساء، برقم: (3391). ومسند أحمد (3/128).

(6) صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب: قيام النبي غ الليل، برقم: (1130).

(7) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: التكبير والتسبيح عند التعجب، برقم: (6218).

(8) فتح الباري شرح صحيح البخاري، 1/211. والآية من سورة البقرة: 45.



بحث عن بحث