عوائق وعقبات في طريق الدعوة

 

•       الاستعجال وعدم التثبت: لا شك أن من العقبات للدعوة الاستعجال وعدم التثبت سواء كان في منهج الدعوة أو وسائلها أو الحكم على الأشياء أو الآخرين. قال تعالى في سورة الحجرات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [سورة الحجرات: 6]

يقول ابن كثير: يأمر تعالى في خبر الفاسق ليحتاط له، لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذبًا أو مخطئًا، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين...

 

وقد ذُكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق، وقد ذُكر ذلك من طرق، ومن أحسنها ما روى الإمام أحمد في مسنده عن الحارث بن ضرار الخزاعي أنه قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَدَعَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ فَدَخَلْتُ فِيهِ وَأَقْرَرْتُ بِهِ، فَدَعَانِي إِلَى الزَّكَاةِ فَأَقْرَرْتُ بِهَا، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِي فَأَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، فَمَن اسْتَجَابَ لِي جَمَعْتُ زَكَاتَهُ فَيُرْسِلُ إِلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رَسُولًا لِإِبَّانِ كَذَا وَكَذَا لِيَأْتِيَكَ مَا جَمَعْتُ مِن الزَّكَاةِ، فَلَمَّا جَمَعَ الحَارِثُ الزَّكَاةَ مِمَّن اسْتَجَابَ لَهُ وَبَلَغَ الْإِبَّانَ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْعَثَ إِلَيْهِ احْتَبَسَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَظَنَّ الحَارِثُ أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سَخْطَةٌ مِن الله عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ، فَدَعَا بِسَرَوَاتِ قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ وَقَّتَ لِي وَقْتًا يُرْسِلُ إِلَيَّ رَسُولَهُ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدِي مِن الزَّكَاةِ، وَلَيْسَ مِن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الْخُلْفُ، وَلَا أَرَى حَبْسَ رَسُولِهِ إِلَّا مِن سَخْطَةٍ كَانَتْ، فَانْطَلِقُوا فَنَأْتِيَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم. وَبَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إِلَى الحَارِثِ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِمَّا جَمَعَ مِن الزَّكَاةِ، فَلَمَّا أَنْ سَارَ الْوَلِيدُ حَتَّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَرِقَ فَرَجَعَ فَأَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ الحَارِثَ مَنَعَنِي الزَّكَاةَ وَأَرَادَ قَتْلِي، فَضَرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْبَعْثَ إِلَى الحَارِثِ، فَأَقْبَلَ الحَارِثُ بِأَصْحَابِهِ إِذْ اسْتَقْبَلَ الْبَعْثَ وَفَصَلَ مِن المَدِينَةِ، لَقِيَهُمْ الحَارِثُ فَقَالُوا: هَذَا الحَارِثُ فَلَمَّا غَشِيَهُمْ قَالَ لَهُمْ: إِلَى مَن بُعِثْتُمْ؟ قَالُوا: إِلَيْكَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ بَعَثَ إِلَيْكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ فَزَعَمَ أَنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَهُ. قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ بَتَّةً وَلَا أَتَانِي. فَلَمَّا دَخَلَ الحَارِثُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنَعْتَ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي؟ قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ وَلَا أَتَانِي؛ وَمَا أَقْبَلْتُ إِلَّا حِينَ احْتَبَسَ عَلَيَّ رَسُولُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، خَشِيتُ أَنْ تَكُونَ كَانَتْ سَخْطَةً مِن الله عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ. قَالَ: فَنَزَلَت الحُجُرَاتُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ إِلَى هَذَا المَكَانِ ﴿فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَنِعْمَةً ۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(1)

 

وقال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إن جاءكم فاسق بخبر عن قوم فتبينوا. ثم ذكر سبب نزول هذه الآية فروى بسنده عن أم سلمة قالت :«بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة، فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، قالت: فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، قال: فبلغ القوم رجوعه، قال: فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصفوا له حين صلى الظهر، فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، بعثت إلينا رجلاً مصدقًا، فسررنا بذلك وقرت به أعيننا، ثم إنه رجع من بعض الطريق، فخشينا أن يكون ذلك غضبًا من الله ومن رسوله، فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال وأذن بصلاة العصر، قال: ونزلت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(2)

 

فلذا يجب على الداعي ألا يستعجل في الأمور، ويتثبت من الأخبار، لئلا يندم حين لا ينفعه الندم.

ومما يدخل في الاستعجال، طلب النتائج من دعوته عاجلاً، فإن لم تحصل له فتر وتكاسل ويئس، وهذا بلا شك من أهم العوائق النفسية، فالنبي صلى الله عليه وسلم استمر يدعو الرجل والرجلين في مكة ولم يستعجل النتيجة، ثم ليدرك الداعية أن عليه العمل، أما ثمار العمل فأمره إلى الله تعالى، فليتنبه الداعية إلى ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ينظر: تفسير ابن كثير، 7/350. بتصرف، والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده (4/279).

(2) تفسير الطبري، 21/349-350.



بحث عن بحث