وضوح الرؤية والهدف من مقومات الدعوة

4-    وضوح الرؤية والهدف: فالأنبياء والرسل كلهم جاءوا برسالة واحدة، وهي نقل العباد من عبودية الطاغوت إلى عبودية الله تعالى، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [سورة النحل: 36]

ومما يجب على الدعوات أن تعرف أن أهم ما يدعى إليه الناس هو توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام مصداقًا لقوله تعالى: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾ [سورة نوح: 3]، ثم يدخل في الدعوة إلى الله ببقية الشرائع.

ولقد كان هدف الدعوة واضحًا في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وحينما جهر بالدعوة فقد دعا الناس إلى التوحيد، كما جاء في الحديث: عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ وَرَهْطَكَ مِنْهُمْ الْـمُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهْ! فَقَالُوا: مَن هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ. فَقَالَ: يَا بَنِي فُلَانٍ! يَا بَنِي فُلَانٍ! يَا بَنِي فُلَانٍ! يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ. فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ وَقَدْ تَبَّ كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ(1)

وهكذا كان هدفه ﷺ واضحاً لدى عرض الدعوة على الوفود، كما جاء في الحديث: (عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا فِي إِمْرَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا فِي سُوقِ عُكَاظٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا الله تُفْلِحُوا. وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَن آلِهَتِكُمْ، فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو جَهْلٍ(2)

وكذا كان يوضح هدفه عليه الصلاة والسلام في رسائله، فكتب إلى هرقل: بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِن مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَن اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ الله أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ، وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا الله ــ إِلَى قَوْلِهِ ــ: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(3)

وفي وصيته لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن جلّى له الهدف واضحاً: فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رضي الله عنه إلى الْيَمَنِ قَالَ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ؛ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ الله، فَإِذَا عَرَفُوا الله فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الله فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِن أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ(4)

فنخلص من هذا كله إلى أن الدعوة يجب أن تكون رؤيتها واضحة، وأهدافها بينة، ومما تجب مراعاته في هذا أن تكون الرؤية سليمة شرعًا وعقلاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب سورة ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ برقم (4971)، وصحيح مسلم, كتاب الإيمان، برقم: (208).

(2) مسند أحمد (5/371).

(3) صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، برقم: (4553).

(4) سبق   تخريجه.



بحث عن بحث