موضوع الدعوة

إن المقصود بالدعوة إلى الله الدعوة إلى دينه، وهو الإسلام كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ﴾ [سورة آل عمران: 19]، ذلك الدين الكامل الشامل، دين جميع الأنبياء والرسل، دين السعادة والراحة والطمأنينة، ارتضاه الله لهذه الأمة، وأكمله على حبيبه وخير خلقه؛ محمد ابن عبد الله غ، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [سورة المائدة :3 ]. فلا يقبل عند الله دين سواه كما قال تعالى: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [سورة آل عمران :85]

*          *          *

والإسلام: هو الخضوع والاستسلام والانقياد لله رب العالمين، كما يلزم الإنسان أن يمتثل جميع الأوامر بقدر المستطاع ويجتنب النواهي كلها، وأجمل مفهوم للدين ما جاء في حديث جبريل عليه السلام الذي ذكرت فيه مراتب الدين: فعن ابن عمر بقَالَ :حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ؛ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ ،حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَن الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِن اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَن الْإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِالله ،وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَن الْإِحْسَانِ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَن السَّاعَةِ؟ قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِن السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَن أَمَارَتِهَا؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ. قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَن السَّائِلُ؟ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ«(1)

فقد ذكر في هذا الحديث العظيم مراتب الدين، فالدعوة إلى الإسلام تعني الدعوة إلى الدين في اتباع جميع أوامره وأحكامه وشرائعه واجتناب نواهيه.

وإذا نظرنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وجدنا أنه دعا الناس إلى جميع أحكام الدين، فقد دعا الناس من الكفر إلى الإسلام، ومن الضلال إلى الهدى، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الميل إلى الاستقامة، ومن المفضول إلى الفاضل، وإن كان الأصل: الدعوة من الكفر إلى الإسلام. وقد بعثه الله لذلك كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران: 164]

*          *          *

وحاصل الأمر أن موضوع الدعوة هو: الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، ومن ثم الدعوة إلى تطبيق الشريعة بكاملها من العبادات والأخلاق والآداب، والسلوك والاستقامة، ونبذ الشرك والكفر والنفاق، وعموم المعاصي والآثام وغيرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي غ عن الإيمان والإسلام والإحسان، برقم: (50)، ومسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، برقم: (8) واللفظ له.



بحث عن بحث