الدعوة إلى الله

دل الحديث على أهمية الدعوة إلى الله تبارك وتعالى وعظم شأنها، فقد جعل النبي غ طالب العلم الداعي إلى الله كالأرض التي تنفع الناس بإنباتها للكلأ والعشب، وهذه ثمرة العلم وزكاته، ولذا سنتطرق بشيء من التفصيل في هذه الوقفة عن الجوانب المهمة في الدعوة في ضوء المباحث الآتية:

*          *          *

المبحث الأول: مفهــوم الدعوة

»الدَعوة» إلى الطعام: بالفتح, يقال: كنا في دَعوة فلان و مدعاة فلان,وهو مصدر، والمراد بهما الدعاء إلى الطعام.

والدِعوة: بالكسر في النسب, والدعيُ من تبنيتَه، ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ [الأحزاب: 4]

وداعية اللبن: ما يترك في الضرع ليدعو ما بعده. وفي الحديث: دع داعي اللبن(1)

أي: أبق في الضرع قليلًا من اللبن ولا تستوعبه كله فإن الذي تبقيه فيه يدعو ما وراءه من اللبن, فينزله, وإذا استقصي كل ما في الضرع أبطأ دره على حالبه.

والدعوة تأتي بمعنى الاستغاثة: وهو كقولك للرجل: إذا لقيت العدو خالياً فادع المسلمين, ومعناه: استغث بالمسلمين. فالدعاء هنا بمعنى الاستغاثة.

كما تأتي بمعنى العبادة: قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60], وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة«

فعَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ, قَالَ: الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ. وَقَرَأَ: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿ دَاخِرِينَ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(2)

والدعاء: الرغبة إلى الله عز وجل. والدعوة: المرة الواحدة من الدعاء. ومنه الحديث: عن لُقْمَان بْن عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ:قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله مَا كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِكَ؟ قَالَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ, وَبُشْرَى عِيسَى, وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهَا قُصُورُ الشَّامِ(3)

فدعوة إبراهيم عليه السلام؛ قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [سورة البقرة: 129], وبشارة عيسى عليه السلام؛ قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [سورة الصف: 6]

ودعا الرجل دعوًا ودُعاءً: ناداه.والاسم الدعوة, ودعوت فلاناً, أي: صحت به, واستدعيته, والدعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدىً أو ضلالةً, واحدهم داعٍ. ورجل داعية: إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أو دين, أدخلت الهاء فيه للمبالغة. والنبي صلى الله عليه وسلم داعي الله تعالى.ومنه قوله تعالى: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 46]. معناه: داعيًا إلى توحيد الله وما يقرب منه(4)

والدعوة يراد بها في الشرع أحد معنيين:

1 ــ المعنى الأول: الإسلام.

2 ــ المعنى الثاني: «نشر هذا الدين للناس». وفي المجال الدعوي يقصد هذا المفهوم على العموم. كما قال تعالى: ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة يوسف: 108]. والمقصود بالدعوة إلى الله الدعوة إلى دينه.

*          *          *

وهذا المعنى الأخير هو المراد بالبحث بمفهومه العام سواء كانت الدعوة إلى الإسلام وترك الكفر، أو الدعوة إلى الطاعة وترك المعصية، أو الدعوة إلى العمل الفاضل وترك المفضول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ينظر: مختار الصحاح للرازي، ص: 206.

(2) جامع الترمذي، كتاب التفسير، باب: ومن سورة البقرة، ح: (2969).

(3) مسند أحمد (5/262).

(4) ينظر: لسان العرب لابن منظور: فصل الدال, حرف الواو والياء, المجلد التاسع,  18/281-284. بتلخيص.



بحث عن بحث