المحافظة على الأعمال الصالحة ومداومة الاجتهاد فيها

حديث: ما من أحد يدخل الجنة بعمله

 

1- عن أبي هريرة س قال: قال رسول الله ق: «لن ينجي أحدا منكم عمله» قالوا، ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا».

 

 

2- وعن عائشة ك أن رسول الله ق قال: «سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله» قالوا، ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة».

 

3- وفي رواية عنها: «سددوا وقاربوا واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة ، وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل».

 

وفي ضوء هذا، يمكن أن نبرز للقاري: كيف يمكن للمسلم أن يحافظ على الأعمال الصالحة؟ ويبقى مجتهدا، لا يكل ولا يمل؟

 

من الأمور التي تعين المسلم على العمل الصالح، دون ملل أو كلل، ما يلي:

أولًا: أن يخلص عمله لله عز وجل، ذلك أن المسلم إذا كان مخلصا لله فيما يقدمه، فإنه يحس بلذة العبادة، وحلاوة الإيمان، وكل عمل صالح يقوم به المسلم، فإن مفتاح القبول والتيسير فيه، هو إخلاص القصد لله عز وجل، وكل عمل يفتقر إلى الإخلاص لا يؤتي ثمرته وإن آتى بعض ثماره فإن عاقبته في غالب الأحوال تكون فجة وثماره تكون مرة أضف إلى أنه يحرم من أعظم ما يتأمله المرء وهو القبول عند الله عز وجل وحصول الأجر والثواب. فلذلك ينبغي للمسلم أن يخلص نيته في كل عمل لكي يسهل عليه ويعان.

 

وهناك بعض الأمور تعين على ذلك، منها:

إفراد الله تعالى بالقصد، وهو أن يريد المسلم بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر، من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق أو معنى آخر سوى التقرب إلى الله تعالى([1]).

 

قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة: 5].

 

قال القرطبي: مخلصين له الدين، أي مخلصين له العبادة، ومنه قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر : 11]. قال: وفي هذا دليل على وجوب النية في العبادات، فإن الإخلاص من عمل القلب، وهو الذي يراد به وجه الله تعالى لا غيره([2]).

 

ثانيا: اليقين بوعد الله تعالى، فإنه سبحانه، قد وعد ولن يخلف وعده، أن من عمل صالحا من ذكر أو أنثى، وهو مؤمن، فإنه لن يضيع من عمله شيئا.

 

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء:124].

 

وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه:112].

 

وقال عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94] .

 

وقال الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7- 8]، فإذا تيقن المرء بموعود الله، وأنه لن يتخلف، فإنه غالبا ينشط، ويشحذ نفسه، ويجتهد في العمل.

 

ثالثًا: العمل وفق حديث الباب، وذلك بأن يعبد الله كما أمره، وكما أمر رسوله، فلا يغل، ولا يتنطع، ولا يتشدد، ولا يقصر، ولا يتهاون، ولا يفرط.

 

رابعًا: استشعار الأجر والثواب، فيعينه ذلك على إخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى، فمتى ما كان مستحضرا للأجر أعانه ذلك على تجريد النية، وتجديد الإخلاص وكان دافعا عظيما للإقدام على العمل والاستمرار فيه، ولذا من الخير للمسلم استشعار الثواب.

 

خامسًا: دعاء العبد ربه بالثبات والاستمرار، وهكذا النبي ق كثيرًا ما يدعو: “يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك”([3]). والله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه هذا الدعاء بصيغة أخرى، فقال تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران:8].

 

سادسًا: العلم النافع، فكل ما زاد علم العبد زادت معرفته بربه عز وجل فأعانه ذلك على الثبات والمواصلة للأعمال الصالحة، ولذلك كان العلماء أكثر خشية لله عز وجل من غيرهم، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28] وعالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد.

 

سابعًا: القراءة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح وأهل الهمم العالية والمقامات الرفيعة لمحاولة الاقتداء بهم والتشبه بفعالهم، فيكون ذلك خادما له بأن يواصل أعماله الصالحة.


([1]) هذا تعريف الإخلاص عند بعضهم.

([2]) الجامع لأحكام القرآن(20: 144 )

([3]) أخرجه الترمذي( ص: 492 رقم 2140). وهو صحيح.



بحث عن بحث