نظرة عامة على حديث: ما من أحد يدخل الجنة بعمله (1)

 

1- عن أبي هريرة س قال: قال رسول الله ق: «لن ينجي أحدا منكم عمله» قالوا، ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا».

 

2- وعن عائشة ك أن رسول الله ق قال: «سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله» قالوا، ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة».

 

3- وفي رواية عنها: «سددوا وقاربوا واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة ، وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل».

 

اشتمل الحديث على ألفاظ، تعتبر قواعد، وأسس مهمة لعمل المسلم، ومنها: فاشتملت على:

 

- توجيه المسلم إلى كل ما ينفعه في دنياه وأخراه.

 

- ترسيخ عقيدة متينة في المسلم، وهي الجزم بأن المسلم لن يخرج من كنف الله وستره، وحوله وقوته، ولن ينفعه شيء مهما اجتهد فيه، إلا بتوفيق الله، وحفظه، وستره.

 

- لن ينجي أحدا عمله من النار إلا أن يتغمده الله برحمة، بمن في ذلك رسول الله ق، أفضل الخلق أجمعين.

 

- والسعي إلى السداد، في الأمور، والمقاربة فيما لم يقدر عليه، فيعمل بقدر استطاعته، مع النية الحسنة، ولا يكلف يكلف نفسه من العمل ما لا يطيق.

- الغدو والرواح، والاستعانة بشيء من الدلجة، وهو أول الليل، أو آخره.

 

- البشارة للمؤمن إن هو اتبع ما أرشده الله تعالى إليه ورسوله، من كمال التوكل عليه، والحرص على سداد النقص والخلة، والمحاولة فيما لم يقدر عليه، ولو بالمقاربة، والروحة والغدوة وعدم العجز والكسل، واختيار الأوقات المناسبة لذلك، والرأفة بنفسه بحيث لا يكلفها ما لا تطيق، إن فعل ذلك كله، فليبشر بتوفيق، وتسديد، ومغفرة، ورحمة، فدخول الجنة.

 

فمن أمعن النظر في هذا الحديث، وجال تمعنه في ألفاظه: علم أن هذا الحديث منهج يعمل المسلم من خلاله، ووفق معانيه، ليحقق أهدافه، ويصل إلى مبتغاه، وهو دخول الجنة.

 

فإن النبي ق أكد في هذا الحديث، وغيره، بألفاظ لا مجال للشك فيها ولا للتردد، أكد على قاعدة التيسير في أمور العبادات كلها، سواءً ما كان منها يخص العبد نفسه، وما كان يخص غيره.

 

فأمرق بالتيسير على النفس في العبادة، ونهى عن تكليف النفس ما لا تطيق، وأرشد إلى إن مراعاة نفس الإنسان وبدنه وعدم التشديد عليه في العبادة مما يكون سببا لتقبله، وإقباله على العمل، والمداومة عليه، وعدم الملل، ثم إن القليل الذي يداوم عليه الإنسان أفضل من الكثير الذي ينقطع، فالعمل القليل مع المداومة والمواظبة خير من العمل الكثير مع ترك المراعاة والمحافظة؛ لأن العمل القليل يصل إلى الأكثر من الكثير الذي يفعل مرة أو مرتين ثم يترك ويترك العزم على العمل الصالح مما يثاب عليه ، وأيضاً أن العمل الذي يداوم عليه هو المشروع، وأن ما توغل فيه بعنف ثم قطع فإنه غير مشروع([1]).

 

قال النووي: في الحديث الحث على المداومة على العمل، وإن قليلة الدائم خير من كثير ينقطع، وإنما كان كذلك؛ لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، بخلاف الكثير المنقطع، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة([2]).


([1]) بتصرف من مشكاة المصابيح(4: 479)، وقد نسبه هو أيضا إلى الباجي.

([2]) شرح مسلم(3: 133).



بحث عن بحث