مقدمة في حق الله تعالى

 

الحمد لله الذي منّ على عباده المؤمنين بمواسم البشر والخيرات؛ ليضاعف لهم الثواب والحسنات، ويكفِّر عنهم الذنوب والسيئات، وأُصلي وأسلم على من أرسله الله تعالى إلى الناس هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

فإن من أهم المهمات، وأنفع الوسائل -بإذن الله- التي تقرّب إلى مرضاة الله وتقواه: محاسبة الإنسان لنفسه، والتأمل في ماضيه وسالف أيامه، والمراجعة لكثير من أعماله، فلقد مرّت بنا أوقات كثيرة، محسوبة علينا شهورُها وأسابيعُها وأيامُها وساعاتُها، بلغ فيها الكثير منا ما بلغ من الوقوع في الشهوات، واللهو مع الملذات، والتقلُّب في أحوال الحياة بين أفراح وأتراح، مما أورث القلوب القسوة، والبعد عن ربِّ الأرض والسموات، والغفلة عن الدار الآخرة، وتناسي - أو نسيان- الممات. فلزم النصح والتذكير؛ لعله أن يوقظ النفوس الغافلة، ويُنبّه العقول الشاردة؛ لتقف مراجعةً حساباتها، آيبةً إلى رشدها، مقوّمةً ما اعوجّ من سلوكها.

 

أيها المسلمون الكرام!

وفي هذه الدروس المباركة -إن شاء الله- نستذكر ونذكِّر بجملة حقوق واجبة علينا، يجهلها كثير منا، ويتساهل فيها - أو في بعضها- آخرون، وأهملتها فئام لَهَتْ في هذه الدنيا في أوديتها وشعابها المتفرقة، فتكون -بإذن الله- تذكرةً لغافل، وتعليمًا لجاهل، وتنبيهًا لمتساهل، وتواصيًا بالقيام بهذه الحقوق، والعمل بها، ابتغاء مرضاة الله عليه السلام.

 

وحق الله تعالى هو رأس هذه الحقوق وأهمها، وكل حق بعده ينطلق منه، ويندرج فيه، فهو الأصل والأساس الذي لا يسع مسلمًا جهلُه، أو عدمُ معرفته، فضلًا عن التساهل فيه.

 

أخي المسلم!

إن حق الله تعالى هو الذي بُعثت من أجله الرسل وأُنزلت الكتب، وكُلِّف الإنسان بالقيام به في هذه الحياة، ورُتّب عليه الجزاءُ والحساب، والسعادةُ والفلاحُ في الدنيا والآخرة، فحريٌّ بالمسلم أن يعرفه، وأن يراجعه بين وقت وآخر، فلا سعادة ولا فلاح، ولا أمن ولا طمأنينة إلا بالقيام به.

 

فمن حق الله:

توحيده سبحانه؛ توحيده في ربوبيته، وفي ألوهيته وعبادته، وفي أسمائه وصفاته.

 

أما توحيده في ربوبيته فهو:

أن يوحد الله تعالى في أفعاله سبحانه، فيقر بأنه المالك الخالق الرازق، المحيي المميت، النافع الضار، المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، القادر على كل شيء سبحانه، ليس له في ذلك شريك، قال تعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنيَمْلِكُالسَّمْعَوَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ  وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ(1) ، وقال تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُممَّنْخَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ(2) ، وقال سبحانه: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُممَّننَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ(3) ، وقال تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُالْمُضْطَرَّإِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ(4) .

 

وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي تبين أنه سبحانه المتفرد بالملك والخلق، والرزق والتدبير، والإحياء والإماتة، والنفع والضر، وهذا التوحيد يعرفه الناس حتى المشركون لم ينكروه، كما هو واضح في الآيات السابقة.

 

فالمؤمن يؤمن ويقرّ ويعترف بهذه الربوبية لله سبحانه وتعالى، مستشعرًا لها في واقع حياته، مؤديًا لما يقتضيه هذا التوحيد، فإذا عرف أن الله هو الخالق المنعم وحده؛ دعاه وتوسل إليه دون خلقه، وهكذا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [يونس:: 31]

(2) [الزخرف: 87]

(3) [العنكبوت:63]

(4) [النمل: 622]



بحث عن بحث