الوقفة الثانية (3-3)

7-ومن الإيمان: الاعتماد على الله في جميع الأمور اعتماداً كليًّا، فلا يتوكل العبد المسلم إلا على ربه، ولا يستعين إلا به، ولا يستغيث إلا به، ولا يدعو إلا إياه، ولا يرجو إلا هو، ولا يخاف إلا منه؛ لأنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، وهو ربه وخالقه، بيده ملكوت كل شيء، وإليه يرجع الأمر كله، وفي حديث مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً؛ فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»(1) قال سعيد: كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.

فالعبد المسلم يرى أن لا غنى له عن ربه طرفة عين، ولا يهدأ له بال إلا بذكره ودعائه وتوكله عليه، يقول تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(2)، ويقول سبحانه:  {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(3).

وعن أبي بكرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت«(4).

8-ومن الإيمان: الإيمان بالبعث بعد الموت، والحشر والنشر، والحساب والجزاء، ثم إلى الجنة أو إلى النار، وهذه تظافرت فيها الأدلة.. بل القرآن كله قائم على تقرير ذلك.

9-ومن الإيمان: الإيمان بقضاء الله وقدره؛ بأن يؤمن بأن هذا الكون كله تحت قدر الله تعالى ومشيئته، فلا يحصل أي شيء فيه إلا بقدر الله تعالى، فيؤمن العبد بذلك، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، قال تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(5)، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(6).

10-ومن الإيمان: إقامة حياة الناس فرادى وجماعات على مقتضى هذا الإيمان؛ بأن تسير حركة الحياة كلها بناءً على هذا الموجّه الحقيقي الذي هو هذا الإيمان(7).

هذا الإيمان يجب أن يكون راسخاً في قلب المؤمن، لا تعصف به الأعاصير، ولا تزعزعه الشبهات، ولا تؤثر عليه الشهوات، فهو الأصل في هذا الدين، وهو المنطلق لكل عمل، ولا يصح عمل بدونه، وهذا يحتم على المسلم أن يحققه في قلبه، ويظهر عليه في واقع حياته، جعلنا الله كذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه مسلم في البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم (2577).

(2) [الحشر:19]

(3) [المائدة:23]

(4) رواه أبو داود في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح (5090)، وأحمد في «أول مسند البصريين» (27898).

(5) [التوبة:51]

(6) [الحديد:22]

(7) ينظر تفصيل ذلك في كتابي «حديث المؤمن القوي - وقفات وتأملات».



بحث عن بحث