المبحث السابع: مسائل في الدعوة والتوجيه

المسألة الأولى: أهمية الدعوة إلى الله عز وجل:

مما يدل عليه هذا الحديث العظيم: بيان أهمية الدعوة إلى الله ﻷ وعظم شأنها، وعلو مكانتها، ورفعة منزلتها عند الله -سبحانه وتعالى- ولولا هذا الأمر لما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن، وغيره من الصحابة إلى مناطق مختلفة يعلمون الناس، ويدعونهم إلى الإسلام، ويرشدونهم ويوجهونهم إلى ما فيه صلاحهم واستقامة حالهم دنيا وأخرى، وكيف لا تكون الدعوة بهذه المنزلة وهي مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومهمة الرسل أجمعين -عليهم الصلاة وأتم التسليم- فلقد بعثهم الله -سبحانه وتعالى- ليدعوا الناس إلى عبادة الله - سبحانه وتعالى- ويحذرونهم من الشرك وأهله، يقول -سبحانه وتعالى-: {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}(1).

ولقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه المهمة منذ أن أنزل عليه الوحي، وأمره الله تعالى بالبلاغ، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، حتى قاموا بهذه المهمة خير قيام، فصار-صلوات الله وسلامه عليه- يرسل الدعاة إلى مناطق مختلفة، كما أرسل معاذًا، وأبا موسى، وعلي بن أبي طالب ي وغيرهم إلى اليمن(2)، وكما أرسل الرسائل إلى ملوك الدنيا يطلب منهم أن يسلموا، فإذا أسلموا، سلموا ولقد بوب الإمام البخاري: لهذا الحديث: (باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه سلم أمته إلى توحيد الله-تبارك وتعالى-)(3).

وقد بوب أيضًا الشيخ محمد بن عبد الوهاب : في كتابه العظيم «كتاب التوحيد» لهذا الحديث بـ: «باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله»(4).

يقول الشارح الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : بعد الترجمة المذكورة: «لما بين المصنف : الأمر الذي خلقتَ له الخليقة وفضله، وهو التوحيد، وذكر الخوف من ضده الذي هو الشرك، وأنه يوجب لصاحبه الخلود في النار، نبه بهذه الترجمة على أنه لا ينبغي لمن عرف ذلك أن يقتصر على نفسه كما يظن الجهال، ويقولون: «اعمل بالحق واترك الناس، وما يعنيك من الناس»، بل يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، كما كان ذلك شأن المرسلين وأتباعهم إلى يوم الدين، وكما جرى للمصنف وأشباهه من أهل الدين والعلم والصبر واليقين»5).

والدعوة إلى الله -كما سبق- هي مهمة الأنبياء والمرسلين، ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(6).

يقول ابن كثير : حول هذه الآية: «يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، آمراً له أن يخبر الناس أن هذه سبيله، أي: طريقته ومسلكه وسنته, وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إِله إِلا الله, يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك، وبرهانويقين عقلي وشرعي»(7).

ومن أعظم ما يدل على فضل الدعوة إلى الله وأهميتها، ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه» فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فقال: «أين علي؟» فقيل: هو يشتكي عينيه. قال: «فأرسلوا إليه» فأتي به، فبصق في عينيه ودعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، وقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم»(8).

فعند التأمل في كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم يظهر للمتأمل عظم فضل الدعوة إلى الله، فهداية رجل واحد خير من الدنيا وما فيها، والتي مثلها الرسول صلى الله عليه وسلم بحمر النعم، التي كانت أنفس أموال العرب. وخلاصة الأمر، فالدعوة إلى الله ﻷ لها فضل عظيم، ومنزلة كبيرة في الإسلام.

ونختم هذه المسألة بأن الدعوة إلى الله ﻷ تتأكد في حق طلبة العلم الشرعي الذين ورثوه عن الأنبياء والمرسلين، فالأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، ومتى ما تخلى العلماء وطلبة العلم عن واجبهم في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا شك أن الشر سيستحوذ على الناس، ويعم الجهل والفوضى، والله المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [يس: 36].

(2) ينظر: صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي (8/ 64).

(3) ينظر: صحيح البخاري مع الفتح، كتاب التوحيد (13/ 347).

(4) ينظر: كتاب تيسير العزيز الحميد (122).

(5) المصدر السابق.

(6) [يوسف: 108].

(7) تفسير ابن كثير (4/345).

(8) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب المغازي، باب غزوة خبير (7/476)، برقم: (4210)، وأخرجه مسلم في صحيحه، باب من فضائل علي بن أبي طالب، (4/ 1872)، برقم: (2408).



بحث عن بحث