المبحث السادسالمسائل الفقهية

المسألة الثانية عشرة: تحريم الظلم، واستجابة دعوة المظلوم:

ومما استنبطه العلماء -رحمهم الله تعالى- من هذا الحديث الجليل: تحريم الظلم بأنواعه، سواء في مجال أخذ الزكاة أو غيرها، أخذًا من قوله صلى الله عليه وسلم: «واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»، فلعظم هذا الأمر بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن دعوة المظلوم مستجابة، فلا يردها راد عن الله تعالى ولا يحجبها حاجب، حتى ولو كان المظلوم فاسقًا.

يقول النووي: «وفيه: بيان عظم تحريم الظلم»(1).

ويقول ابن دقيق العيد: «وفي الحديث دليل على تعظيم أمر الظلم واستجابة دعوة المظلوم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عقيب النهي عن أخذ كرائم الأموال؛ لأن أخذها ظلم، وفيه تنبيه على جميع أنواع الظلم»(2).

ويقول الحافظ ابن حجر: «قوله: «واتق دعوة المظلوم»، أي: تجنب الظلم؟ لئلا يدعو عليك المظلوم، وفيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم، والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم: الإشارة إلى أن أخذها ظلم»(3).

ثم قال: «قوله: «حجاب» أي: ليس لها صارف يصرفها ولا مانع، والمراد أنها مقبولة، وإن كان عاصيًا، كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعًا: «دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرًا، ففجوره على نفسه»(4)، وإسناده حسن»(5).

وقال العيني: «فيه: أن دعوة المظلوم لا ترد، ولو كان فيه ما يقتضي أن لا يستجاب لمثله، من كون مطعمه حرامًا، أو نحو ذلك، حتى ورد في بعض طرقه: «إن كان كافرًا ليس دونه حجاب»، رواه أحمد من حديث أنس رضي الله عنه وله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرًا، ففجوره على نفسه»، وإسناده حسن»(6).

وقال الشوكاني: «فيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم، والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ كرائم الأموال: الإشارة إلى أن أخذها ظلم. قوله: «حجاب»، أي: ليس لها صارف يصرفها ولا مانع، والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصيًا، كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعًا: «دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا، ففجوره على نفسه»، قال الحافظ: وإسناده حسن، وليس المراد أن للّه تعالى حجابًا يحجبه عن الناس»(7).

وهذه المسألة- أعني تحريم الظلم بأنواعه، واستجابة دعوة المظلوم- مما هو متقرر شرعًا، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة لا يتسع المقام لحصرها، ولكن أكتفي بذكر شيء منها.

يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}(8)، ويقول -جل وعلا-:  {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}(9)، ويقول سبحانه: {وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}(10)، ويقول -جلّ من قائل-: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}(11)، وقال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ......وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}(12)، ومما ورد في السنة: ما رواه الشيخان وغيرهما، عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم؛ فإذا أخذه لم يفلته»، ثم قرأ: {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}(13)(14).

وكذلك ما أخرجه الشيخان وغيرهما، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الظلم ظلمات يوم القيامة«(15).

وما أخرجه الإمام مسلم في الحديث القدسي الطويل، عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ﻷ أنه قال: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا«(16).

وإن من أعظم أنواع الظلم الشرك بالله، كما قال -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}(17).

نسأل الله تعالى أن يجنبنا الظلم بأنواعه؛ إنه سميع مجيب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح النووي (1/ 197).

(2) أحكام الأحكام (2/ 3، 4).

(3) الفتح (3/ 365).

(4) رواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 367)، من طريق خلف، قال: ثنا أبو معشر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، وذكره.

(5) الفتح (3/ 360).

(6) عمدة القاري (8/238). وسبق تخريج الحديث.

(7) نيل الأوطار (4/131).

(8) [الكهف: 29]

(9) [غافر: 18]

(10) [الأنعام: 93]

(11) [إبراهيم: 42]

(12) [الفرقان: 1 – 27]

(13) [هود: 102].

(14) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، باب ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ الآية (8/ 354)، برقم: (4686)، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم (4/1997)، برقم: (2583).

(15) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب المظالم، باب الظلم ظلمات يوم القيامة (5/ 105)، برقم: (2447)، وأخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم (4/ 1996)، برقم: (2579).

(16) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، في (4/1994)، برقم: (2577).

(17) [لقمان: 13]



بحث عن بحث