المبحث السادسالمسائل الفقهية

المسألة التاسعة: حكم إعطاء الكافر من الزكاة:

استنبط بعض أهل العلم من هذا الحديث: أنه لا يجوز أن يعطى الكافر من الزكاة المفروضة، أخذًا من قوله صلى الله عليه وسلم: «فترد على فقرائهم»، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن تصرف الزكاة في فقراء المسلمين.

يقول النووي: «وفيه أن الزكاة لا تدفع إلى كافر«(1).

ويقول الحافظ ابن حجر: «وأن الزكاة لا تدفع إلى الكافر، لعود الضمير في فقرائهم إلى المسلمين، سواء قلنا بخصوص البلد أو العموم«(2).

ويقول الخطابي: «وفيه دليل على أنه لا يجوز دفع شيء من صدقات أموال المسلمين إلى غير أهل دينهم، وهو قول عامة الفقهاء«(3).

أقول: وهذه المسألة ليس فيها خلاف بين العلماء، قال ابن قدامة، في المغني: «لا نعلم خلافًا في أن زكاة الأموال لا تعطى لكافر ولا لمملوك. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئًا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنياتهم، وترد في فقرائهم»، فخصهم بصرفها إلى فقرائهم، كما خصهم بوجوبها على أغنيائهم«(4) (5) والله أعلم.

أما الصدقات المستحبة فيجوز أن يعطى منها الكافر وغيره ممن لا تحل لهم أخذ الزكاة وهم بحاجة إلى الأموال.

المسألة العاشرة: حكم نقل الزكاة إلى بلد آخر:

استنبط بعض أهل العلم من هذا الحديث: أنه لا يجوز أن تنقل الزكاة إلى بلد آخر، وأنه لا بد وأن تصرف في البلد نفسه، أخذًا من قوله صلى الله عليه وسلم: «فترد على فقرائهم«.

ووجه الدلالة: أن الضمير راجع إلى فقراء البلد نفسه، وبالتالي لا يجوز نقلها إلى بلد آخر.

يقول الخطابي: «وفيه دليل على سنة الصدقة أن تدفع إلى جيرانهم، وأن لا تنقل من بلد إلى بلد، وكره أكثر الفقهاء نقل الصدقة من البلد الذي به المال إلى بلد آخر، إلا أنهم مع الكراهة قالوا: إن فعل ذلك أجزأت، إلا عمر بن عبدالعزيز فإنه يروى عنه أنه رد صدقة حملت من خراسان إلى الشام إلى مكانها من خراسان«(6).

ويقول ابن دقيق العيد: «وقد استدل بقوله- عليه السلام-: «أعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» على عدم جواز نقل الزكاة عن بلد المال، وفيه عندي ضعف؛ لأن الأقرب أن المراد: تؤخذ من أغنيائهم من حيث أنهم مسلمون، لا من حيث أنهم من أهل اليمن، وكذلك الرد على فقرائهم، وإن لم يكن هذا هو الأظهر، فهو محتمل احتمالاً قويًّا، ويقويه: أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر، ولولا وجود مناسبة في باب الزكاة لقطع بأن ذلك غير معتبر، وقد وردت صيغة الأمر بخطابهم في الصلاة، ولا يختص بهم قطعًا -أعني الحكم- وإن اختص بهم خطاب المواجهة«(7).

ويقول العيني: «فيه استدلال بعضهم على عدم جواز نقل الزكاة من بلد المال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وترد على فقرائهم»، قلت: هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأن الضمير في فقرائهم يرجع إلى فقراء المسلمين، ولكن أعم من أن يكونوا من فقراء أهل تلك البلدة أو غيرهم، وقال الطيبي: اتفقوا على أنها إذا نقلت وأديت يسقط الفرض عنه، إلا عمر بن عبد العزيز، فإنه رد صدقة نقلت من خراسان إلى الشام إلى مكانها من خراسان«(8).

وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة- أعني نقل الزكاة إلى بلد آخر- لكن قبل عرض خلافهم أشير إلى أنهم مع هذا الاختلاف قد اتفقوا على ما يلي:

1-أن الأصل في تفريق الزكاة أنها توزع في بلد المال الذي وجبت فيه الزكاة.

2-أن أهل البلد إذا استغنوا عن الزكاة كلها أو بعضها لانعدام الأصناف المستحقين لها، أو لقلة عددهم وكثرة مال الزكاة جاز نقلها إلى غيرهم.

من هنا تنحصر دائرة الخلاف في حكم نقلها مع وجود مستحقين لها في بلد المال الذي وجبت فيه، والخلاف على قولين مشهورين هما:

القول الأول: لا يجوز نقلها مطلقًا من بلد المال، إلا أن يكون دون مسافة قصر، فإن نقلها أجزأت لإخراجها، وأثم لنقلها، وهو مذهب المالكية والشافعية، والرواية المشهورة عند الحنابلة.

واستدلوا بهذا الحديث، وسبق بيان وجه الدلالة، وقالوا -أيضًا-: إن المقصود إغناء الفقراء بها، فإذا أبحنا نقلها أفضى إلى بقاء فقراء ذلك البلد محتاجين.

القول الثاني: أن نقل الزكاة يكره إلا إذا كان هناك مصلحة شرعية، كأن يكون هناك قرابة محتاجين، أو أن تشتد الحاجة في بلد معين، ونحو ذلك، وهذا قول الأحناف، ورواية عن الحنابلة، وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله-.

ومما استدل به أصحاب هذا القول: قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(9)، فلم يعين الله سبحانه وتعالى فقراء البلد.

ويضاف إلى ذلك: ما ثبت بالتواتر أن الزكاة كانت تنقل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ويتولى توزيعها بنفسه.

ومما يؤيد هذا الرأي: أن الزكاة لها هدف عظيم في الإسلام؛ فمن أهم أهدافها: تحقيق التكافل بين المسلمين بعامة، فإذا وجدت مصلحة فتنقل؛ لأن ترك ذلك يحدث خللاً في المجتمع المسلم.

أما ما استدل به أهل الفريق الأول من الحديث، فقد سبقت الإجابة عنه عند عرض أقوال شراح الحديث(10). والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح النووي (1/ 197).

(2) الفتح (3/ 360).

(3) معالم السنن للخطابي (2/199).

(4) المغني لابن قدامة (106، 107)، وينظر: المجموع (6/ 177).

(5) ومع هذا فيرى بعض أهل العلم أن الكافر إذا كان قريبًا من الإسلام فيعطى تأليفًا لقلبه؛ فهو من المؤلفة قلوبهم، والمغني (4/108).

(6) معالم السنن (2/199).

(7) إحكام الأحكام (2/ 3).

(8) عمدة القاري (8/ 236).

(9) [التوبة: 60]

(10) يراجع للتوسع: المغني (4/131)، والهداية (1/ 115)، والمجموع (6/ 169)، ومنح الجليل (2/95)، وحاشية الدسوقي (1/500)، والروض المربع (3/300)، والمبسوط (3/18)، والأموال (595)، وفقه الزكاة (2/809).



بحث عن بحث