المبحث السادسالمسائل الفقهية

المسألة السادسة: الزكاة في مال الصبي والمجنون:

استنبط بعض أهل العلم من هذا الحديث: أنه تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، كما تجب في مال البالغ والعاقل، وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «تؤخذ من أغنيائهم«

يقول الحافظ ابن حجر: «وفيه إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون؟ لعموم قوله غ: «من أغنيائهم»، قال رياض: وفيه يحث«(1).

ويقول العيني: «ذكر الطيبي وآخرون أن في قوله: «تأخذ من أغنيائهم»، دليلاً على أن الطفل تلزمه الزكاة؟ لعموم قوله: «تؤخذ من أغنيائهم«(2).

وقال الخطابي: «وقد يستدل بهذا الحديث من يذهب إلى وجوب الزكاة في مال الأيتام، وذلك أنه لما كان معدودًا من جملة الفقراء الذين تقسم فيهم الزكاة، كان معدودًا في جملة الأغنياء الذي تجب عليهم الزكاة، إذا كان آخر الكلام معطوفًا على أوله«(3).

وهذه المسألة قد اختلف العلماء فيها على أقوال، لخصها الخطابي : بقوله: «وقد اختلف الناس في ذلك، فأوجبها في ماله مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعلي، وابن عمر، وجابر، وعائشة، وهو قول عطاء، وطاوس، ومجاهد، وابن سيرين«

وقال الأوزاعي، وابن أبي ليلى: «عليه الزكاة، ولكن يحصيها الولي، فإذا بلغ الطفل أعلمه ليزكي عن نفسه«.

وقال أصحاب الرأي: «لا زكاة عليه في ماله، إلا فيما أخرجت أرضه، ويلزمه زكاة الفطر«(4).

فتلخص من هذا العرض أن في المسألة أقوالاً ثلاثة:

القول الأول: وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون، يخرجها الولي عنه من ماله، وتعتبر نية الولي في الإخراج، واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:

أ- عموم الحديث الذي معنا، وقد سبق وجه الدلالة منه.

ب- عموم الآيات والأحاديث الموجبة للزكاة، مثل قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}(5)، ولم يفرق بين مال الكبير والصغير والعاقل والمجنون.

ج- ما رواه الترمذي والدراقطني وغيرهما، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ولي يتيمًا له مال فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة «(6)

ووجه الشاهد من الحديث: أن الرسول أشار في الحديث أنه ينبغي أن يتاجر بمال الصبي لأجل أن لا تأكله الزكاة، فأوجب فيه الزكاة.

نعم، رُدَّ هذا الحديث بأنه ضعيف، قال الترمذي: «وإنما روي هذا الحديث من هذا الوجه، وفي إسناده مقال؛ لأن المثنى بن الصباح أحد رواة الحديث يضعف في الحديث«(7).

ولكن استدل به بعض الفقهاء لوجود ما يشهد له من عموم النصوص السابقة.

القول الثاني: وهو أن الزكاة تجب في مال الصبي، لكن لا تخرج حتى يبلغ الصبي فيخرجها عن نفسه، وهؤلاء نظروا إلى اعتبار النية؛ لأن العبادة لا تصح إلا بنية، والزكاة عبادة تفتقر إلى نية.

القول الثالث: وهو أنها لا تجب في مال الصبي مطلقًا، وإنما تجب في أرضه فقط، وهؤلاء احتجوا بما احتج به الفريق الثاني، إلا أنهم أسقطوها بالكلية، كما سقطت عنه الصلاة والصيام.

ولكن أجاب الجمهور عن هذا الاستدلال بأن الإثم مرتفع عنهما حال الصغر والجنون، ولا تجب الزكاة عليهما، بل تجب في مالهما، ويطالب وليهما بإخراجها، كما يجب في مالهما قيمة ما أتلفاه، ويجب على الولي دفعها(8). والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفتح (3/ 360).

(2) عمدة القاري (8/ 237)

(3) معالم السنن (2/ 199).

(4) المصدر السابق (2/ 199، 200)

(5) [التوبة: 103]

(6) أخرجه الترمذي في جامعه، في كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة مال اليتيم (2/23، 24).

(7) جامع الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة مال اليتيم (2/ 23، 24).

(8) ينظر في هذه المسألة: المغني، لابن قدامة (4/ 69- 71)، وبدائع الصنائع (2/ 4، 5)، ومغني المحتاج (1/ 409)، ومعالم السنن (2/ 199، 205)، وعمدة القاري (18/ 237).



بحث عن بحث