المبحث السادس: المسائل الفقهية

المسألة الأولى: أهمية الصلاة وعظم شأنها:

استنبط العلماء -رحمهم الله تعالي- من هذا الحديث الجليل: أن للصلاة في الإسلام منزلة عظيمة، ومكانة عالية، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، ولا أدل على ذلك من أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعلها بعد الشهادتين عند وصية معاذ رضي الله عنه مما يدل على أهميتها وخطورة تركها.

وهذا بلا شك أمر مقرر في الإسلام، ومن المعلوم من الدين بالضرورة، ولذا لا نطيل في ذلك، فأكتفي بسرد بعض الآيات القرآنية الدالة على ذلك.

يقول الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}(1)، ويقول سبحانه: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}(2)، ويقول جل وعلا: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}(3)، ويقول -جلّ من قائل-: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ ۚ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(4)، ويقول سبحانه: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ}(5)، ويقول -جلّ ذكره-: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ}(6) ويقول سبحانه: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}(7)، ويقول -جل وعلا-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(8)، ويقول سبحانه:  {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}(9)، وغير ذلك من الآيات الكثيرة والأحاديث النبوية التي صدرت بها دواوين السنة.

المسألة الثانية: حكم صلاة الوتر:

استنبط بعض أهل العلم من قوله صلى الله عليه وسلم: «فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة»، أن الصلاة الواجبة خمس صلوات في اليوم والليلة فحسب، وعليه فصلاة الوتر ليست فرضًا كبقية الصلوات الخمس، كما يرى ذلك بعض العلماء مما سيأتي تفصيله -إن شاء الله-.

يقول الإمام النووي :: «وفيه أن الوتر ليس بواجب؛ لأن بعث معاذ إلى اليمن كان قبل وفاة النبي غ بقليل بعد الأمر بالوتر، والعمل به«(10).

ويقول الحافظ ابن حجر :: «استدل به على أن الوتر ليس بفرض«(11).

وكذا قال الشوكاني(12) 

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين، أعرضهما على النحو التالي:

القول الأول: ذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الوتر سنة مؤكدة، وليس بواجب، واستدلوا بعدة أدلة، منها:

أ- حديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن، وهو حديثنا الذي نبحث فيه، يقول النووي :: «وهذا من أحسن الأدلة؛ لأن بعث معاذ ا إلى اليمن كان قبل وفاة النبي غ بقليل جدًّا«(13)

وقد سبق بيان وجه الدلالة من الحديث آنفًا.

ب- ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما قال: جاء رجل من أهل نجد، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة»، فقال: هل علي غيرها؟ فقال: «لا، إلا أن تطوع»، ثم سأله أيضًا عن الزكاة والصيام، وقال الرجل في آخر الحديث: «والله لا أزيد، ولا أنقص»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق«(14).

ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الرجل بأن الواجب عليه خمس صلوات في اليوم والليلة فقط، ولا يزيد عليها إلا أن يتطوع، وهذا صريح في عدم وجوب الوتر، فلو كان واجبًا لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إلا أن تطوع»، فجعلها صلى الله عليه وسلم من التطوع، ثم في آخر الحديث رتب الفلاح على صدق الرجل، فمعناه عدم الإثم على عدم الزيادة على الخمس.

ج- ما رواه مالك في الموطأ، وأبو داود في سننه، وغيرهما، عن عبد الله بن محيريز، عن رجل من بني كنانة، يقال له المخدجي، قال: كان بالشام رجل يقال له أبو محمد، قال: الوتر واجب، فرحت إلى عبادة- يعني ابن الصامت- فقلت: إن أبا محمد يزعم أن الوتر واجب، قال: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من أتى بهن لم يضيع منهن شيئًا، جاء وله عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن ضيعهن استخفافًا بحقهن جاء ولا عهد له، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة«(15).

قال النووي: «هذا حديث صحيح«(16).

ووجه الدلالة من الحديث: أنه أفاد بمنطوقه وجوب الصلوات الخمس فقط، وأنه لا يجب غيرهن، فلو كان هناك صلاة واجبة لبيَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.

القول الثاني: ذهب الإمام أبو حنيفة : وبعض أصحابه إلى وجوب صلاة الوتر، فإن تركه المسلم إلى بعد طلوع الفجر، أثم ولزمه القضاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 238]

(2) [النساء: 103]

(3) [البقرة: 43]

(4) [الأنعام: 72]

(5) [هود: 114]

(6)  [إبراهيم: 31]

(7) [طه: 14]

(8) [النور: 56]

(9) [العنكبوت: 45]

(10) شرح النووي على مسلم (1/197).

(11) فتح الباري (3/ 360).

(12) نيل الأوطار (4/ 131).

(13) المجموع شرح المهذب (3/476).

(14) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام (1/106)، برقم: (46)، وأخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (1/ 40)، برقم: (11).

(15) رواه مالك في الموطأ، في كتاب صلاة الليل، باب الأمر بالوتر (1/123)، وأخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الصلاة، باب في من لم يوتر (2/ 130، 131)، برقم: (1420).

(16) ينظر: المجموع (3/ 476).



بحث عن بحث