المبحث الخامس: مسائل علم الأصول والمصطلح

المسألة الأولى: مرسل الصحابي:

سبق معنا في المبحث الثالث، فقرة (1- أ)، أن هناك خلافًا في راوي الحديث، هل هو معاذ بن جبل، أو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، بناءً على ما روي فيه الحديث.

وذكر بعض أهل العلم-كما سبق- أنه من رواية ابن عباس، عن معاذ، لكنه أسنده مباشرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبح مرسل صحابي، فلا بد إذن من بيان المراد بمرسل الصحابي وحكمه قبولاً وردَّا، وعليه فنبحث هذه المسألة في ضوء العناصر الآتية:

أ- تعريف المرسل.

ب- حكم المرسل إجمالاً.

ج- مرسل الصحابي وحكمه.

أ- تعريف المرسل:

لغةً: من الإرسال، ويطلق على ما يلي:

أ- الإطلاق وعدم المنع، ومنه قوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ}(1)

 فكأن المرسل أطلق الإسناد ولم يقيده.

ب- وقيل: مأخوذ من قولهم: «جاء القوم أرسالاً»، أي متفرقين؛ لأن بعض الإسناد منقطع عن بعضه الآخر.

ج- وقيل: مأخوذ من قولهم: «ناقة رسل أو إرسال»، أي: سريعة السير، فكأن المرسل أسرع فحذف بعض الإسناد.

اصطلاحًا: له عدة إطلاقات، هي باختصار ما يلي:

1-ما رواه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2-ما رواه التابعي الكبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3-ما سقط منه الصحابي.

4-ما سقط من إسناده راوٍ فأكثر من أي موضع، وهذا هو المشهور عند الفقهاء والأصوليين.

غير أن الذي استقر عليه اصطلاح المرسل عند المحدثين هو التعريف الأول.

وأشار إلى هذه التعريفات العراقي في ألفيته، فقال:

مرفوع تابع على المشهور *** أو سقط راو منه ذو أقوال

مرسل أو قيده بالكبير *** والأول الأكثر في استعمال(2)

أما التعريف الثالث فأشار إليه البيروني بقوله: ومرسل منه الصحابي سقط(3).

ب- حكم الاحتجاج بالمرسل:

اختلف العلماء في الاحتجاج بالمرسل وعدمه على أقوال كثيرة، ويظهر أن لاختلافهم في تعريفه أثرًا في الاحتجاج به من عدمه.

وأهم هذه الأقوال ما يلي:

أ- القول الأول: عدم الاحتجاج بالمرسل، فيكون من قبيل الضعيف.

قال ابن الصلاح: «إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر»(4)، ثم قال: «وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث، ونقاد الأثر، وقد تداولوه في تصانيفهم»(5).

وحجة هذا القول هو سقوط أحد رجال الإسناد فيصبح منقطعًا.

ب- القول الثاني: الاحتجاج بالمرسل، وهو مذهب جمهور الفقهاء، وعزاه ابن الصلاح إلى مالك وأبي حنيفة، قال ابن كثير: «وهو محكي عن الإمام أحمد في رواية»(6).

وحجتهم في ذلك لم أن الإرسال يقع في العصور المتقدمة -عصر الصحابة والتابعين- والغالب عليهم الصدق والعدالة، فلا تضر جهالة أعيانهم.

ونتيجة لهذا، فقد تكلم العلماء-رحمهم الله- في مراسيل عدد من التابعين، كمراسيل سعيد بن المسيب، والحسن، وعطاء، وغيرهم.

وللحافظ ابن رجب تحقيق نفيس في حكم المرسل، يحسن أن ننقله هنا، يقول:

»واعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ وكلام الفقهاء في هذا الباب؛ فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلاً، وهو ليس بصحيح على طريقهم لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث، فإذا عضد المرسل قرائن تدل على أن له أصلاً، قوي الظن بصحة ما دل عليه، فاحتج به مع ما احتف به من القرائن، وهذا هو التحقيق في الاحتجاج بالمرسل عند الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما»(7).

ج- مرسل الصحابي وحكمه:

هو ما أرسله الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن يكون الصحابي صغيرًا، مثل ابن عباس وابن الزبير ونحوهما، ممن سمع القليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون الصحابي كبيرًا، لكن لم يثبت أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلا بواسطة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [مريم: 83]

(2) فتح المغيث شرح ألفية العراقي (1/128).

(3) المنظومة البيقونية.

(4) مقدمة ابن الصلاح (49).

(5) المصدر السابق.

(6) ينظر: الباعث الحثيث (48).

(7) ينظر: شرح علل الترمذي (1/ 297).



بحث عن بحث